للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في معنى قوله تعالى: {تبرج الجاهلية الأولى} فقال الشعبي: هي ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وقال أبو العالية: هي زمن داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام، كانت المرأة تتخذ قميصاً من الدر غير مخيط الجانبين فيرى خلقها منه، وقال الكبي: كان ذلك في زمن نمروذ الجبار، كانت المرأة تتخذ الدرع من اللؤلؤ فتلبسه وتمشي وسط الطريق ليس عليها شيء غيره، وتعرض نفسها على الرجال.

وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال: الجاهلية الأولى فيما بين نوح وإدريس عليهما السلام، وكانت ألف سنة، وإن بطنين من ولد آدم كان أحدهما يسكن السهل، والآخر يسكن الجبل، وكان رجال الجبل صباحاً، وفي النساء دمامة وكان نساء السهل صباحاً، وفي الرجال دمامة، وإن إبليس أتى رجالاً من أهل السهل وأجر نفسه منهم فكان يخدمهم، واتخذ شيئاً مثل الذي يزمر به الرعاء، فجاء بصوت لم يسمع الناس مثله، فبلغ ذلك من حوله فأتوه وهم يستمعون إليه، واتخذوا عيداً يجتمعون إليه في السنة فيتبرج النساء للرجال ويتزين الرجال لهن، وأن رجلاً من أهل الجبل هجم عليهم في عيدهم ذلك فرأى النساء وصباحتهنّ فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك فنحوا إليهم فنزلوا معهم وظهرت الفاحشة بينهم فذلك قوله تعالى {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى} .k

وقال قتادة: ما قبل الإسلام وقيل: الجاهلية الأولى ما ذكرنا، والجاهلية الأخرى قوم يفعلون مثل فعلهم في آخر الزمان وقيل: الجاهلية الأولى ما كانوا عليه قبل الإسلام، والجاهلية الأخرى جاهلية الفسوق في الإسلام، ويعضده قوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر كما في الصحيحين: «إن فيك جاهلية كفر وإسلام» وقول البيضاوي عن أبي الدرداء، قال ابن حجر: لم أجده عن أبي الدرداء وقيل: قد تذكر الأولى وإن لم تكن لها أخرى كقوله تعالى {وإنه أهلك عاداً الأولى} (النجم: ٥٠)

ولم تكن لها أخرى.

ولما أمرهن بلزوم البيوت للتخلية عن الشوائب أرشدهن إلى التحلية بالرغائب بقوله تعالى:

{وأقمن الصلاة} أي: فرضاً ونفلاً صلة لما بينكن وبين الخالق {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} (العنكبوت: ٤٥)

{وآتين الزكاة} إحساناً إلى الخلائق وفي هذا بشارة بالفتوح وتوسيع الدنيا عليهن، فإن العيش وقت نزولها كان ضيقاً عن القوت فضلاً عن الزكاة.

ولما أمرهن بخصوص ما تقدم لأنهما أصل الطاعات البدنية والمالية، ومن اعتنى بهما حق الاعتناء جرتاه إلى ما وراءهما تمم وجمع في قوله تعالى: {وأطعن الله} أي: الذي له صفات الكمال {ورسوله} أي: الذي لا ينطق عن الهوى فيما أمرا به ونهيا عنه {إنما يريد الله} أي: الذي هو ذو الجلال والإكرام بما أمركن به ونهاكن عنه من الإعراض عن الزينة وما يتبعها والإقبال عليه {ليذهب} أي: لأجل أن يذهب {عنكم الرجس} أي: الإثم الذي نهى الله تعالى عنه النساء قاله مقاتل، وقال ابن عباس: يعني عمل الشيطان وما ليس فيه رضا الرحمن. وقال قتادة: يعني السوء وقال مجاهد: الرجس الشك وقوله تعالى: {أهل البيت} في ناصبه أوجه: أحدها: النداء أي: يا أهل البيت، أو المدح أي: أمدح أهل البيت، أو الاختصاص أي: أخص أهل البيت كما قال صلى الله عليه وسلم «نحن معاشر الأنبياء لا نورث» والاختصاص في المخاطب أقل منه في المتكلم، وسمع: منك الله نرجو الفضل والأكثر إنما هو في المتكلم كقولها:

<<  <  ج: ص:  >  >>