للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جميعاً.

وقيل: الذي بين يديه يوم القيامة، والمعنى أنهم جحدوا أن يكون القرآن من الله، وأن يكون ما دل عليه من الإعادة للجزاء حقيقة.

ثم أخبر عن عاقبة أمرهم ومآلهم في الآخرة فقال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم أو للمخاطب: {ولو} أي: والحال أنك لو {ترى} أي: يوجد منك رؤية لحالهم {إذا الظالمون} أي: الذين يضعون الأشياء في غير محالها فيصدقون آباءهم لإحسان يسير مكدر من غير دليل، ولا يصدقون ربهم الذي لا نعمة عندهم ولا عند آبائهم إلا منه {موقوفون} أي: بعد البعث بأيدي جنوده أو غيرها بأيسر أمر منه {عند ربهم} أي: في موضع المحاسبة {يرجع بعضهم} أي: على وجه الخصام عداوة كان سببها مواددة في الدنيا بطاعة بعضهم لبعض في معاصي الله تعالى {إلى بعض القول} أي: بالملامة والمباكتة والمخاصمة.

تنبيه: مفعول ترى وجواب لو محذوفان للفهم أي: لو ترى حال الظالمين وقت وقوفهم راجعاً بعضهم إلى بعض القول لرأيت حالاً فظيعة وأمراً منكراً ويرجع حال من ضمير موقوفون، والقول مفعول يرجع، لأنه يتعدى قال تعالى: {فإن رجعك الله} (التوبة: ٨٣)

وقوله تعالى {يقول الذين استضعفوا} أي: وقع استضعافهم ممن هو فوقهم في الدنيا وهم الأتباع في تلك الحال على سبيل اللوم {للذين استكبروا} أي: أوجدوا الكبر وطلبوه بما وجدوا من أسبابه التي أدت إلى استضعافهم للأولين وهم الرؤوس المتبوعون {لولا أنتم} أي: لولا ضلالكم وصدكم إيانا عن الإيمان {لكنا مؤمنين} أي: باتباع الرسول تفسير لقوله تعالى: {يرجع} فلا محل له قال ابن عادل: وأنتم بعد لولا مبتدأ على أصح المذاهب وهذا هو الأفصح أعني وقوع ضمائر الرفع بعد لولا أي: وغيره فصيح خلافاً للمبرد حيث جعل خلاف هذا لحناً، وأنه لم يرد إلا في قول زياد: وكم موطن لولاي وإلا قيس جعل الياء ضمير نصب أو جر قام مقام ضمير الرفع وسيبويه جعله ضمير جر.

ولما لم يتضمن كلامهم سوى قضية واحدة ذكر الجواب عنها بقوله تعالى:

{قال الذين استكبروا} على طريق الاستئناف {للذين استضعفوا} رداً عليهم وإنكاراً لقولهم إنهم هم الذين صدوهم {أنحن} خاصة {صددناكم} أي: منعناكم {عن الهدى بعد إذ جاءكم} أي: على ألسنة الرسل عليهم الصلاة والسلام لم نفعل ذلك؛ لأن المانع ينبغي أن يكون أرجح من المقتضى حتى يعمل عمله، والذي جاء به الرسل هو الهدى والذي صدر من المستكبرين لم يكن شيئاً يوجب الامتناع من قبول ما جاؤوا به فلم يصح تعلقكم بالمانع، وقرأ نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم بإظهار الذال عند الجيم، والباقون بالإدغام وأمال الألف بعد الجيم حمزة وابن ذكوان وفتحها الباقون، وكذا الإظهار والإدغام في {إذ تأمروننا} (سبأ: ٢٣)

وإذا وقف حمزة على {جاءكم} سهل الهمزة مع المد والقصر، وله أيضاً إبدالها ألفاً مع المد والقصر {بل كنتم} أي: جبلة وخلقاً {مجرمين} أي: كافرين لاختياركم لأقوالنا وتسويلنا.

فإن قيل: إذ وإذا من الظروف الملازمة للظرفية فلم وقعت إذ مضافاً إليها؟

أجيب: بأنه قد اتسع في الزمان ما لم يتسع في غيره فأضيف إليها الزمان كما أضيف إلى الجمل في قولك: جئتك بعد إذ جاء زيد وحينئذٍ ويومئذٍ.

ولما أنكر المستكبرون بقولهم: {أنحن صددناكم} أن يكونوا هم السبب في كفر المستضعفين واثبتوا بقولهم {بل كنتم مجرمين} أن

<<  <  ج: ص:  >  >>