ذلك بكسبهم واختيارهم كر عليهم المستضعفون كما قال تعالى:
{وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا} رداً لإنكارهم صدهم {بل} أي: الصاد لنا {مكر الليل والنهار} أي: الواقع فيهما من مكركم فأبطلوا إضرابهم بإضرابهم كأنهم قالوا: ما كان الإجرام من جهتنا بل من جهة مكركم بنا ليلاً ونهاراً {إذ تأمروننا أن نكفر بالله} أي: الملك الأعظم بالاستمرار على ما كنا عليه قبل إتيان الرسل {ونجعل له أنداداً} أي: شركاء نعبدهم من دونه، فإن قيل: لم قيل {قال الذين استكبروا} بغير عطف وقيل {وقال الذي استضعفوا} أجيب: بأن الذين استضعفوا مر أولاً كلامهم، فجيء بالجواب محذوف العاطف على طريق الاستئناف ثم جيء بكلام آخر للمستضعفين فعطف على كلامهم الأول.
تنبيه: يجوز رفع مكر من ثلاثة أوجه:
أحدها: الفاعلية تقديره بل صدنا مكركم في هذين الوقتين كما مر.
الثاني: أن يكون مبتدأ خبره محذوف أي: مكر الليل صدنا.
الثالث: العكس أي: سبب كفرنا مكركم وإضافة المكر إلى الليل والنهار إما على الإسناد المجازي كقولهم ليل ماكر والعرب تضيف الفعل إلى الليل والنهار على توسع الكلام كقول الشاعر:
* ... ونمت وما ليل المطي بنائم*
فيكون مصدراً مضافاً لمرفوعه، وأما على الاتساع في الظرف فجعل كالمفعول به فيكون مصدراً مضافاً لمفعوله قال ابن عادل: وهذا أحسن من قول من قال: إن الإضافة بمعنى في أي: مكر في الليل لأن ذلك لم يثبت في محل النزاع وقيل مكر الليل والنهار طول السلامة وطول الأمل فيهما كقوله تعالى {فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم} (الحديد: ١٦)
تنبيه: قوله تعالى أولاً يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول {الذين استضعفوا} بلفظ المستقبل، وقوله تعالى في الآيتين الأخيرتين {وقال الذين استكبروا} {وقال الذين استضعفوا} بلفظ الماضي مع أن السؤال والمراجعة في القول لم يقع، أشار به إلى أن ذلك لا بد من وقوعه فإن الأمر الواجب الوقوع كأنه وقع كقوله تعالى: {إنك ميت وإنهم ميتون} (الزمر: ٣٠)
وأما الاستقبال فعلى الأصل {وأسروا} أي: الفريقان {الندامة} من المستكبرين والمستضعفين وهم الظالمون في قوله تعالى {إذا الظالمون موقوفون} (سبأ: ٣١)
يندم المستكبرون على ضلالهم وإضلالهم والمستضعفون على ضلالهم واتباعهم المضلين {لما} أي: حين {رأوا العذاب} أي: حين رؤية العذاب أخفاها كل عن رفيقه مخافة التعبير.
وقيل: معنى الإسرار والإظهار وهو من الأضداد أي: أظهروا الندامة قال ابن عادل: ويحتمل أن يقال: إنهم لما تراجعوا في القول رجعوا إلى الله تعالى بقولهم {أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً} (السجدة: ١٢)
وأجيبوا: بأن لامرد لكم فأسروا ذلك القول وقوله تعالى {وجعلنا الأغلال} أي: الجوامع التي تغل اليد إلى العنق {في أعناق الذين كفروا} يعم الأتباع والمتبوعين جميعاً، وكان الأصل في أعناقهم ولكن جاء بالظاهر تنويهاً بذمهم وللدلالة على ما استحقوا به الأغلال وهذه إشارة إلى كيفية عذابهم {هل يجزون} أي: بهذه الأغلال {إلا ما} أي: إلا جزاء ما {كانوا يعملون} أي: على سبيل التجديد والاستمرار.k
ولما كان في هذا تسلية أخروية للنبي صلى الله عليه وسلم أتبعه التسلية الدنيوية بقوله تعالى:
{وما أرسلنا} أي: بعظمتنا {في قرية} وأكد النفي بقوله تعالى: {من نذير إلا قال مترفوها} رؤساؤها