للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الذين لا شغل لهم إلا التنعم بالفاني حتى أكسبهم البغي والطغيان ولذلك قالوا لرسلهم: {إنا بما أرسلتم به} أي: أيها المنذرون {كافرون} أي: وإذا قال المتنعمون ذلك تبعهم المستضعفون.

{وقالوا} أي: المترفون أيضاً متفاخرين {نحن أكثر أموالاً وأولاداً} أي: في هذه الدنيا ولو لم يرض منا ما نحن عليه ما رزقنا ذلك، فاعتقدوا أنهم لو لم يكرموا على الله لما رزقهم ولولا أن المؤمنين هانوا عليه لما حرمهم فعلى قياسهم ذلك قالوا: {وما نحن بمعذبين} أي: إن الله تعالى قد أحسن إلينا في الدنيا بالمال والولد فلا يعذبنا في الآخرة، ثم إن الله سبحانه وتعالى بين خطاهم بقوله تعالى: لنبيه صلى الله عليه وسلم

{قل} أي: لهم {إن ربي} أي: المحسن إلي بالإنعام بالسعادة الباقية {يبسط الرزق} أي: يوسعه في كل وقت أراده بالأموال والأولاد وغيرها {لمن يشاء} امتحاناً {ويقدر} أي: يضيقه على من يشاء ابتلاء بدليل مقابلته بيبسط وهذا هو الطباق البديعي، فالرزق في الدنيا لا تدل سعته على رضا الله تعالى ولا ضيقه على سخطه فربما وسع على العاصي وضيق على المطيع،، وربما عكس وربما وسع عليهما وضيق عليهما، وكم من موسر شقي وكم من معسر تقي {ولكن أكثر الناس} أي: كفار مكة {لا يعلمون} أي: ليس لهم علم فيتدبروا به ما ذكرنا من الأمر فيعلمون أنه ليس كل موسع عليه في دنياه سعيداً في عقباه ولا كل مضيق عليه في دنياه شقياً.

ثم بين تعالى فساد استدلالهم بقوله سبحانه وتعالى:

{وما أموالكم} أي: أيها الخلق الذي أنتم من جملتهم وإن كثرت، وكرر النافي تصريحاً بإبطال كل على حياله فقال {ولا أولادكم} كذلك {بالتي} أي: بالأموال والأولاد التي {تقر بكم عندنا} أي: على مالنا من العظمة {زلفى} أي: درجة علية وقربة مكينة.

تنبيه: قوله تعالى: {بالتي تقربكم} (سبأ: ٣٧)

صفة للأموال والأولاد كما تقرر لأن جمع التكسير غير العاقل يعامل معاملة المؤنثة الواحدة وقال الفراء والزجاج أنه: حذف من الأول لدلالة الثاني عليه قالا: والتقدير: وما أموالكم بالتي تقربكم عندنا زلفى ولا أولادكم بالتي تقر بكم ولا حاجة إلى هذا، ونقل عن الفراء ما تقدم من أن التي صفة للأموال والأولاد معاً وهو الصحيح، وجعل الزمخشري «التي» صفة لموصوف محذوف قال: ويجوز أن تكون التي هي التقوى وهي المقربة عند الله تعالى زلفى وحدها أي: ليست أموالكم ولا أولادكم بتلك الموصوفة عند الله بالتقريب قال أبو حيان: ولا حاجة إلى هذا الموصوف انتهى. وزلفى: مصدر من معنى الأول إذ التقدير: تقربكم قربى وقال الأخفش: زلفى اسم مصدر كأنه قال: بالتي تقربكم عندنا تقريباً وأمالها حمزة والكسائي محضة وأبو عمرو بين بين وورش بالفتح وبين اللفظين، والباقون بالفتح وقوله تعالى: {إلا من آمن وعمل صالحاً} أي: تصديقاً لإيمانه على ذلك الأساس استثناء من مفعول تقربكم أي: الأموال والأولاد لا تقرب أحد إلا المؤمن الصالح الذي ينفق ماله في سبيل الله ويعلم ولده الخير ويربيه على الصلاح، أو من أموالكم وأولادكم على حذف المضاف إلى إلا أموال وأولاد من آمن وعمل صالحاً {فأولئك} أي: العالو الرتبة {لهم جزاء الضعف} أي: أن يأخذوا جزاءهم مضاعفاً في نفسه من عشرة أمثاله إلى ما لا نهاية له {بما عملوا} فإن أعمالهم ثابتة محفوظة

<<  <  ج: ص:  >  >>