*أقفر من أهيله عبيد ... أصبح لا يبدي ولا يعيد*
والمعنى: جاء الحق وهلك الباطل كقوله تعالى {جاء الحق وزهق الباطل} (الإسراء: ٨١)
وعن ابن مسعود: «دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحول البيت ثلثمائة وستون صنماً فجعل يطعنها بعود ويقول {جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا} (الإسراء: ٨١)
{جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد} (سبأ: ٤٩)
وقيل: الباطل إبليس أي: ما ينشئ خلقاً ولا يعيده، والمنشئ والباعث هو الله تعالى، وعن الحسن لا يبدئ لأهله خيراً ولا يعيده أي: لا ينفعهم في الدنيا والآخرة وقال الزجاج: أي: شيء ينشئه إبليس ويعيده فجعله للاستفهام وقيل: للشيطان الباطل لأنه صاحب الباطل، ولأنه هالك كما قيل له الشيطان من شاط إذا هلك وحينئذ يكون غير منصرف وإن جعلته من شطن كان منصرفاً.
ولما لم يبق بعد هذا إلا أن يقولوا عناداً أنت ضال ليس بك جنون ولا كذب، ولكنك قد عرض لك ما أضلك عن الجمعة قال تعالى:
{قل} أي: لهؤلاء المعاندين على سبيل الاستعطاف بما في قولك من الإنصاف وتعليم الأدب {إن ضللت} أي: عن الطريق على سبيل الفرض {فإنما أضل على نفسي} أي: إثم إضلالي عليها {وإن اهتديت فبما} أي: فاهتدائي إنما هو بما {يوحى إلي ربي} أي: المحسن إلي من القرآن والحكمة لا بغيره فلا يكون فيه ضلال لأنه لاحظ للنفس فيه أصلاً، فإن قيل: أين التقابل بين قوله تعالى: {فإنما أضل على نفسي} وقوله تعالى: {فيما يوحي إلى ربي} وإنما كان يقال: فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فإنما اهتدى لها كقوله تعالى {من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها} (فصلت: ٤٦)
وقوله تعالى: {فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها} (الزمر: ٤١)
أو يقال فإنما أضل نفسي أجيب: بأنهما متقابلان من جهة المعنى لأن النفس كل ما عليها فهو بسببها لأنها الأمارة بالسوء وما لها مما ينفعها فبهداية ربه وتوفيقه وهذا حكم عام لكل مكلف، وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسنده إلى نفسه لأن الرسول إذا دخل تحته مع جلاله محله وسداد طريقه كان غيره أولى به، وفتح الياء من ربي عند الوصل نافع وأبو عمرو الباقون بالسكون وهم على مراتبهم في المد، ثم علل الضلال والهداية بقوله تعالى: {إنه} أي: ربي {سميع} أي: لكل ما يقال {قريب} أي: يدرك قول كل ضال ومهتد وفعله وإن أخفاه.
ولما أبطل تعالى شبههم وختم من صفاته بما يقتضي البطش بمن خالفه عطف على {ولو ترى إذ الظالمون} .
{ولو ترى} أي: تبصر يا أشرف الخلق {إذ فزعوا} أي: عند الموت أو البعث أو يوم بدر، وجواب لو محذوف نحو: لرأيت أمراً عظيماً {فلا} أي: فتسبب عن ذلك الفزع أنه لا {فوت} أي: لهم منا لأنهم في قبضتنا، ثم حقر أمرهم بالبناء للمفعول بقوله تعالى: {وأخذوا} أي: عند الفزع من كل من نأمره بأخذهم سواء أكان قبل الموت أم بعده {من مكان قريب} أي: القبور أو من الموقف إلى النار، أو من صحراء بدر إلى القليب وقال الكلبي: من تحت أقدامهم، وقيل: أخذوا من ظهر الأرض إلى بطنها وحيثما كانوا فهم من الله تعالى قريب لا يفوتونه، والعطف على فزعوا أو لا فوت.
{وقالوا} أي: عند الأخذ ومعاينة الثواب والعقاب {آمنا به} أي: القرآن الذي قالوا: إنه أفك