عليها، كناية عن أدنى الأشياء فكيف بما فوقه؟ فليس لهم شيء من الملك، والآية من الاحتباك ذكر الملك أولاً دليلاً على حذفه ثانياً والملك ثانياً دليلاً على حذفه أولاً.
وقيل: القطمير هو القمع وقيل: ما بين القمع والنواة، ففي النواة على الأول أربعة أشياء يضرب بها المثل: في القلة الفتيل: وهو ما في شق النواة، والقطمير: وهو اللفافة والنقير: وهو ما في ظهر النواة والرقروق: وهو ما بين القمع والنواة ثم بين ذلك بقوله تعالى:
{إن تدعوهم} أي: المعبودات من دونه دعاء عبادة أو استعانة {لا يسمعوا دعاءكم} أي: لأنهم جماد {ولو سمعوا} أي: على سبيل الفرض والتقدير {ما استجابوا لكم} أي: لعدم قدرتهم على الانتفاع.
ولما بين عدم النفع فيهم في الدنيا بين عدم النفع منهم في الآخرة ووجود الضرر منهم في الآخرة بقوله سبحانه {ويوم القيامة} أي: حين ينطقهم الله تعالى {يكفرون بشرككم} أي: بإشراككم فينكرونه ويتبرؤن منه بقولهم {ما كنتم إيّانا تعبدون} (يونس: ٢٨)
كما حكى الله تعالى ذلك عنهم في آية أخرى {ولا ينبئك} أي: يخبرك أي: السامع بالأمر مخبر هو {مثل خبير} أي: عالم به أي: أن الخبير بالأمر وحده هو الذي يخبرك بالحقيقة دون سائر المخبرين به؛ لأنه لا يمكن الطعن في شيء مما أخبر به بخلاف غيره والمعنى: أن هذا الذي أخبرتكم به من حال الأوثان هو الحق؛ لأني خبير بما أخبرت به.
ولما اختص تعالى بالملك ونفى عن شركائهم النفع أنتج ذلك قوله تعالى:
{يا أيها الناس} أي: كافة {أنتم} أي: خاصة {الفقراء} وقوله سبحانه {إلى الله} إعلام بأنه لا افتقار إلا إليه ولا اتكال إلا عليه، وهذا يوجب عبادته لكونه مفتقر إليه وعدم عبادة غيره لعدم الافتقار إلى غيره.
فإن قيل: لم عرف الفقراء؟ أجيب: بأنه قصد بذلك أن يريهم أنهم لشدة افتقارهم إليه هم جنس الفقراء، وإن كانت الخلائق كلهم مفتقرين إليه من الناس وغيرهم؛ لأن الفقر يتبع الضعف وكلما كان الفقير أضعف كان أحقر، وقد شهد الله تعالى على الإنسان بالضعف في قوله تعالى {وخلق الإنسان ضعيفاً} (النساء: ٢٨)
وقال تعالى {الله الذي خلقكم من ضعف} (الروم: ٥٤)
ولو نكر لكان المعنى: أنتم بعض الفقراء.
قال القشيري: والفقر على ضربين: فقر خلقة، وفقر صفة فالأول عام، فكل حادث مفتقر إلى خالقه في أول حال وجوده ليبدئه وينشئه، وفي ثانيه ليديمه ويبقيه، وأما فقر الصفة: فهو التجرد وفقر العوام التجرد عن المال، وفقر الخواص التجرد عن الإعلال فحقيقة الفقر المحمود تجرد السر عن المعلومات.
ولما ذكر العبد بوصفه الحقيقي أتبعه ذكر الخالق باسمه الأعظم فقال: {والله هو الغني} أي: المستغني على الإطلاق فلا يحتاج إلى أحد ولا إلى عبادة أحد من خلقه، وإنما أمرهم بالعبادة لإشفاقه تعالى عليهم ففي هذا رد على المشركين حيث قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن الله لعله محتاج إلى عبادتنا حتى أمرنا بها أمراً بالغاً وهددنا على تركها مبالغاً، فإن قيل: قد قابل الفقر بالغنى فما فائدة قوله تعالى {الحميد} أي: المحمود في صنعه بخلقه؟ أجيب: بأنه لما أثبت فقرهم إليه وغناه عنهم وليس كل غني نافعاً بغناه إلا إذا كان الغني منعماً جواداً، وإذا جاد وأنعم حمده المنعم عليهم واستحق عليهم الحمد ذكر الحميد ليدل به على أنه الغني النافع بغناه خلقه الجواد المنعم عليهم المستحق بإنعامه أن يحمدوه وقوله تعالى: