بحر حتى عد سبعة أبحر وسبعة أنوار، ولكن روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من لم يطهره البحر فلا طهره الله» ويؤول كلام ابن عمر بأنه سيصير يوم القيامة ناراً أو بأنه مهلكة يهلك كما تهلك النار، ولما كان الأكل والاستخراج من المنافع العامة عمَّ الخطاب.
ولما كان استقرار شيء في البحر دون غرق أمراً غريباً لكنه صار لشدة ألفه لا يقوم بأنه من أكبر الآيات دلالة على القادر المختار إلا أهل البصائر خص بالخطاب فقال {وترى الفلك} أي: السفن سمى فلكاً لدورانه وسفينة لقشره الماء، وقدم الظرف في قوله تعالى {فيه} لأنه أشد دلالة على ذلك {مواخر} أي: جواري مستدبرة الريح شاقة للماء بجريها هذه مقبلة وهذه مدبرة وجهها إلى ظهر هذه بريح واحدة يقال: مخرت السفينة الماء ويقال للسحاب: بنات مخر؛ لأنها تمخر الهواء، والسفن الذي اشتقت منه السفينة قريب من المخر؛ لأنها تسفن الماء كأنها تقشره كما تمخره ثم علق بالمخر معللاً قوله تعالى {لتبتغوا} أي: تطلبوا طلباً شديداً {من فضله} أي: الله بالتوصل بذلك إلى البلاد الشاسعة للمتاجر وغيرها، ولو جعلها ساكنة لم يترتب عليها ذلك ولم يجر به ذكر في الآية ولكن فيما قبلها، ولو لم يجر لم يشكل لدلالة المعنى عليه {ولعلكم تشكرون} أي: وليكون حالكم بهذه الدالة على عظيم قدرة الله تعالى ولطفه حال من يرجى شكره.
تنبيه: حرف الرجاء مستعار لمعنى الإرادة ألا ترى كيف سلك به مسلك لام التعليل؟ كأنما قيل: لتبتغوا ولتشكروا.
ولما ذكر تعالى اختلاف الذوات الدالة على بديع صنعه أتبعه اختلاف الأزمنة الدالة على بديع قدرته بقوله تعالى:
{يولج} أي: يدخل الله {الليل في النهار} فيصير الظلام ضياء.
ولما كان هذا الفعل في غاية الإعجاب وكان لكثرة تكراره قد صار مألوفاً فغفل عما فيه من الدلالة على تمام القدرة نبه عليه بإعادة الفعل بقوله تعالى:{ويولج النهار في الليل} فيصير ما كان ضياء ظلاماً، وتارة يكون التوالج بقصر هذا وطول هذا فدل كل ذلك على أنه تعالى فاعل بالاختيار.
ولما ذكر الليل والنهار ذكر ما ينشأ عنهما بقوله تعالى:{وسخر الشمس والقمر} ثم استأنف قوله تعالى {كل} أي: منهما {يجري} أي: في فلكه {لأجل} أي: لأجْلِ أجَلٍ {مسمى} مضروب له لا يقدر أن يتعداه، فإذا جاء ذلك الأجل غرب هكذا كل يوم إلى أن يأتي الأجل الأعظم فيختل هذا النظام بإذن الملك العلام، وتقوم الناس ليوم الزحام وتكون الأمور العظام.
ولما ذكر سبحانه أنه الفاعل المختار القادر على ما يريد بما يشاهده كل أحد في نفسه وفي غيره وختم بما تكرر مشاهدته في كل يوم مرتين أنتج ذلك قطعاً قوله تعالى معظماً بأداة البعد وميم الجمع {ذلكم} أي: العالي المقدار الذي فعل هذه الأفعال كلها {الله} الذي له صفة كل كمال، ثم نبههم على أنه لا مدبر لهم سواه بخبر آخر بقوله تعالى:{ربكم} أي: الموجد لكم من العدم المربّي بجميع النعم لا رب لكم سواه، ثم استأنف قوله تعالى:{له} أي: وحده {الملك} أي: كله وهو مالك كل شيء {والذين تدعون} أي: تعبدون {من دونه} أي: غيره وهم الأصنام وغيرها وكل شيء دونه {ما يملكون} في حال من الأحوال وأعرق في النفي بقوله تعالى: {من قطمير} وهو كما روي عن ابن عباس: لفافة النواة وهي القشرة الرقيقة الملتفة