للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حدودها في كل حال أدل الطاعات على الإخلاص قال تعالى معبراً بالماضي؛ لأن مواقيت الصلاة مضبوطة {وأقاموا} أي: دليلاً على خشيتهم {الصلاة} في أوقاتها الخمسة وما يتبع ذلك من السنن {ومن تزكى} أي: تطهر بفعل الطاعات وترك المعاصي {فإنما يتزكى لنفسه} إذ نفعه لها {وإلى الله} أي: الذي لا إله غيره {المصير} أي: المرجع كما كان منه المبدأ فيجازي كلاً على فعله.

ثم لما بين تعالى الهدى والضلالة وهدى الله تعالى المؤمن ولم يهد الكافر ضرب لهما مثلاً بقوله تعالى:

{وما يستوي الأعمى} أي: عن الهدى {والبصير} بالهدى أي: المؤمن والكافر وقيل: الجاهل والعالم، وقيل: هما مثلاً للصنم ولله تعالى.

{ولا الظلمات} أي: الكفر {ولا النور} أي: الإيمان، أو ولا الباطل ولا الحق.

{ولا الظل} أي: الجنة {ولا الحرور} أي: النار، أو ولا الثواب ولا العقاب.

تنبيه: قال ابن عباس: الحرور الريح الحارة بالليل، والسموم بالنهار وقيل: الحرور تكون بالنهار مع الشمس، وقيل: السموم تكون بالنهار والحرور بالليل والنهار.

وقوله تعالى {وما يستوي الأحياء ولا الأموات} تمثيل آخر للمؤمن والكافر أبلغ من الأول ولذلك كرر الفعل وقيل: للعلماء وللجهال.

تنبيه: زيادة لافي الثلاثة لتأكيد نفي الاستواء، وجاء ترتيب هذه المنفيات على أحسن الوجوه، فإنه تعالى لما ضرب الأعمى والبصير مثلين للمؤمن والكافر عقب بما كل منهما فيه، والكافر في ظلمة والمؤمن في نور؛ لأن البصير وإن كان حديد البصر لابد له من ضوء يبصر فيه، وقدم الأعمى؛ لأن البصير فاصله فحسن تأخيره، ولما تقدم الأعمى في الذكر ناسب تقديم ما فيه فلذلك قدمت الظلمة على النور، ولأن النور فاصلة، ثم ذكر ما لكل منهما فللمؤمن الظل وللكافر الحرور وأخر الحرور لأجل الفاصلة كما مر، وقولنا: لأجل الفاصلة أولى من قول بعضهم لأجل السجع؛ لأن القرآن ينبو عن ذلك، وقد منع الجمهور أن يقال في القرآن سجع.

وإنما كرر الفعل في قوله تعالى {وما يستوي الأحياء} مبالغة في ذلك؛ لأن المنافاة بين الحياة والموت أتمّ من المنافاة المتقدمة، وقدم الأحياء لشرف الحياة ولم يعد لا تأكيداً في قوله تعالى {الأعمى والبصير} وكرّرها في غيره؛ لأن منافاة ما بعده أتم، فإن الشخص الواحد قد يكون بصيراً ثم يصير أعمى فلا منافاة إلا من حيث الوصف بخلاف الظل والحرور، والظلمات والنور، فإنها منافية أبداً لا يجتمع اثنان منها في محل، فالمنافاة بين الظل والحرور وبين الظلمة والنور دائمة.

فإن قيل: الحياة والموت بمنزلة العمى والبصر فإن الجسم قد يكون متصفاً بالحياة ثم يتصف بالموت، أجيب: بأن المنافاة بينهما أتم من المنافاة بين الأعمى والبصير؛ لأن الأعمى والبصير يشتركان في إدراكات كثيرة ولا كذلك الحي والميت، فالمنافاة بينهما أتم من المنافاة بين الأعمى والبصير؛ لأنه قابل الجنس بالجنس، وقد يوجد في أفراد العميان من يساوي بعض أفراد البصراء كأعمى ذكي له بصيرة يساوي بصيراً بليداً فالتفاوت بين الجنسين مقطوع به لا بين الأفراد.

وجمع الظلمات؛ لأنها عبارة عن الكفر والضلال وطرقهما كثيرة متشعبة ووحد النور؛ لأنه عبارة عن التوحيد وهو واحد، فالتفاوت بين كل فرد من أفراد الظلمة وبين هذا الفرد الواحد والمعنى: الظلمات كلها لا يوجد فيها ما يساوي هذا الواحد.

ثم نبه سبحانه بقوله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>