للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{إن الله} أي: القادر على المفاوتة بين هذه الأشياء وعلى كل شيء بما له من الإحاطة من صفات الكمال {يسمع من يشاء} على أن الخشية والقسوة إنما هما بيده تعالى، وإن الإنذار إنما هو لمن قضى بانتفاعه فيتعظ ويجيب {وما أنت} أي: بنفسك من غير إقدار الله تعالى لك {بمسمع} أي: بوجه من الوجوه {من في القبور} أي: الحسية أو المعنوية إسماعاً ينفعهم بل الله يسمعهم إن شاء {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات} (فاطر: ٨)

{إن} أي: ما {أنت إلا نذير} أي: تنبه القلوب الميتة بقوارع الإنذار ولست بوكيل تقهرهم على الإيمان.

ثم بين تعالى أنه ليس نذيراً من تلقاء نفسه إنما هو بإذن الله تعالى وإرساله بقوله تعالى:

{إنا} أي: بما لنا من العظمة {أرسلناك} أي: إلى هذه الأمة {بالحق} أي: الأمر الكامل في الثبات الذي يطابقه الواقع، فإن من نظر إلى كثرة ما أوتيه من الدلائل علم مطابقة الواقع لما يأمر به.

تنبيه: يجوز في قوله تعالى: {بالحق} أوجه: أحدها: أنه حال من الفاعل أي: أرسلناك محقين، أو من المفعول أي: محقاً، أو نعت لمصدر محذوف أي: إرسالاً متلبساً بالحق ويجوز أن يكون صلة لقوله تعالى {بشيراً} أي: لمن أطاع {ونذيراً} أي: لمن عصى {وإن} أي: وما {من أمة إلا خلا} أي: سلف {فيها نذير} أي: نبي ينذرها.

تنبيه: الأمة: الجماعة الكثيرة قال تعالى {وجد عليه أمة من الناس يسقون} (القصص: ٢٣)

ويقال لكل أهل عصر أمة، والمراد ههنا أهل العصر، فإن قيل: كم من أمة في الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم لم يخل فيها نذير، أجيب: بأن آثار النذارة إذا كانت باقية لم تخل من نذير إلى أن تندرس وحين اندرست آثار نذارة عيسى عليه السلام بعث الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم فإن قيل: كيف اكتفى بذكر النذير عن البشير في آخر الآية بعد ذكرهما؟ أجيب: بأنه لما كانت النذارة مشفوعة من البشارة لا محالة دلّ ذكرها على ذكرها، لا سيما وقد اشتملت الآية على ذكرهما، أو لأن الإنذار هو المقصود والأهم من البعثة.

{وإن يكذبوك} أي: أهل مكة {فقد كذب الذين من قبلهم} أي: ما أتتهم به رسلهم عن الله تعالى {جاءتهم} أي: الأمم الخالية {رسلهم بالبينات} أي: الآيات الواضحات والدلالة على صحة الرسالة من المعجزات وغيرها {وبالزبر} أي: الأمور المكتوبة كصحف إبراهيم عليه السلام {وبالكتاب} أي: جنس الكتاب كالتوراة والإنجيل {المنير} أي: الواضح في نفسه الموضح لطريق الخير والشر، كما أنك أتيت قومك بمثل ذلك وإن كانت طريقتك أوضح وأظهر، وكتابك أنور وأبهر وأظهر وأشهر، وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم حيث علم أن غيره كان مثله في تكذيبه وكان محتملاً لأذى القوم.

تنبيه: لما كانت هذه الأشياء في جنسهم أسند المجيء بها إليهم إسناداً مطلقاً وإن كان بعضها في جميعهم وهي البينات وبعضها في بعضهم وهي الزبر والكتاب.

ولما سلاه الله تعالى هدد من خالفه وعصاه بما فعل في تلك الأمم الماضية بقوله تعالى:

{ثم أخذت} أي: بأنواع الأخذ {الذين كفروا} أي: ستروا تلك الآيات المنيرة بعد طول صبر الرسل عليهم الصلاة والسلام عليهم ودعائهم لهم {فكيف كان نكير} أي: إنكاري عليهم بالعقوبة والإهلاك أي: هو واقع موقعه.

تنبيه: أثبت ورش الياء بعد الراء في الوصل دون الوقف، والباقون بغير ياء وقفاً ووصلاً.

ولما ذكر تعالى الدلائل

<<  <  ج: ص:  >  >>