والكلبي: ثماني عشرة سنة وقال الحسن: أربعون سنة وقال ابن عباس: ستون سنة، وروي ذلك عن علي، وروى البزار أنه صلى الله عليه وسلم قال: «العمر الذي أعذر الله تعالى فيه إلى ابن آدم ستون سنة» وروى البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من عمرّه الله ستين سنة فقد أعذر إليه في العمر» وروى الترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين» وأقلهم من يجوز ذلك.
وقوله تعالى: {وجاءكم النذير} عطف على {أو لم نعمركم} لأنه في معنى قد عمرناكم كقوله {ألم نربك} (الشعراء: ١٨)
ثم قال {ولبثت} وقال تعالى {ألم نشرح لك صدرك} (الشرح: ١)
ثم قال تعالى {ووضعنا عنك وزرك} (الشرح: ٢)
إذ هما في معنى ربيناك وشرحنا، واختلف في النذير فقال الأكثرون: هو محمد صلى الله عليه وسلم وقيل: القرآن، وقال عكرمة وسفيان بن عيينة ووكيع: هو الشيب، والمعنى: أو لم نعمركم حتى شبتم ويقال: الشيب نذير الموت، وفي الأثر ما من شعرة تبيض إلا قالت لأختها: استعدي فقد قرب الموت.
ولما تسبب عن ذلك أن عذابهم لا ينفك قال تعالى: {فذوقوا} أي: ما أعددناه لكم من العذاب دائماً أبداً {فما للظالمين} أي: الذين وضعوا أعمالهم وأقوالهم في غير موضعها {من نصير} أي: في وقت الحاجة حتى يرفع العذاب عنهم قال البقاعي وهذا عام في كل ظالم.
ولما كان تعالى عالماً بكل ما نفى وما أثبت قال تعالى:
{إن الله} أي: الذي أحاط بكل شيء قدرة وعلماً {عالم غيب السموات والأرض} لا تخفى عليه خافية فلا يخفى عليه تعالى أحوالهم وقوله تعالى {إنه عليم بذات الصدور} تعليل له؛ لأنه إذا علم مضمرات الصدور قبل أن يعلمها أربابها حتى تكون غيباً محضاً كان أعلم بغيره، ويعلم أنكم لو مدّت أعماركم لم ترجعوا عن الكفر أبداً ولو رددتم لعدتم لما نهيتم عنه وإنه لا مطمع في صلاحكم.
ولما كان من أنشأ شيئاً كان أعلم به قال تعالى:
{هو} أي: وحده لا شركاؤكم ولا غيرهم {الذي جعلكم} أيها الناس {خلائف في الأرض} أي: يخلف بعضكم بعضاً، وقيل: جعلكم أمة واحدة خلفت من قبلها ورأت فيمن قبلها ما ينبغي أن يعتبر به، وقال القشيري: أهل كل عصر خليفة عمن تقدّمهم فمن قوم هم لسلفهم جمال ومن قوم هم أرذال وأسافل.
تنبيه: خلائف جمع خليفة وهو الذي يقوم بعد الإنسان بما كان قائماً به والخلفاء: جمع خليفة قاله الأصبهاني {فمن كفر فعليه كفره} أي: وبال كفره {ولا} أي: والحال أنه لا {يزيد الكافرين} أي: المغطين للحق {كفرهم} أي: الذي هم ملتبسون به ظانون أنه يسعدهم وهم راسخون فيه غير منتقلين عنه {عند ربهم} أي: المحسن إليهم {إلا مقتاً} أي: غضباً؛ لأن الكافر السابق كان ممقوتاً {ولا يزيد الكافرين} أي: العريقين في صفة التغطية للحق {كفرهم إلا خساراً} أي: للآخرة؛ لأن العمر كرأس مال من اشترى به رضا الله تعالى ربح، ومن اشترى به سخط الله تعالى خسر.)
ولما بين أنه سبحانه هو الذي استخلفهم أكد بيان ذلك عندهم بأمره صلى الله عليه وسلم بما يضطرهم إلى الاعتراف بقوله تعالى:
{قل} أي: لهم {أرأيتم} أي: أخبروني {شركاءكم} أضافهم إليهم؛ لأنهم وإن كانوا جعلوهم شركاءه لم ينالوا شيئاً من شركته؛ لأنهم ما نقصوه شيئاً من ملكه وإنما شاركوا العابدين في أموالهم بالسوائب