للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وغيرها وفي أعمالهم فهم شركاؤهم بالحقيقة لا شركاؤه، ثم بين المراد من عدّهم لهم شركاء بقوله تعالى: {الذين تدعون} أي: تعبدون {من دون الله} أي: غيره وهم الأصنام الذين زعمتم أنهم شركاء الله تعالى {أروني} أي: أخبروني {ماذا} أي: الذي أو أي شيء {خلقوا من الأرض} أي: لتصح لكم دعوى الشركة فيهم وإلا فادعاؤكم ذلك فيهم كذب محض وإنكم تدعون أنكم أبعد الناس منه في الأمور الهينة فكيف بمثل هذا {أم لهم شرك} أي: شركة مع الله تعالى وإن قلت {في السموات} أي: أروني ماذا خلقوا لكم من السموات فالآية من الاحتباك حذف أولاً الاستفهام عن الشركة في الأرض لدلالة مثله في السماء ثانياً عليه، وحذف الأمر بالإراءة ثانياً له لدلالة مثله أولاً عليه.

{أم آتيناهم كتاباً} ينطق على أنا اتخذنا شركاء {فهم} الأحسن في هذا الضمير أن يعود على الشركاء لتناسق الضمائر، وقيل: يعود على المشركين قاله مقاتل فيكون التفاتاً من خطاب إلى غيبة {على بينة} أي: حجة {منه} بأن لهم معي شركة، ولما كان التقدير لا شيء لهم من ذلك قال تعالى منبهاً على ذميم أحوالهم وسفه آرائهم وخسة هممهم ونقصان عقولهم {بل إن} أي: ما {يعد الظالمون} أي: الواضعون الأشياء في غير موضعها {بعضهم بعضاً} أي: الاتباع للمتبوعين بأن شركاءهم تقربهم إلى الله تعالى زلفى، وأنها تشفع وتضر وتنفع {إلا غروراً} أي: باطلاً.

ولما بين تعالى حقارة الأصنام بين عظمته سبحانه بقوله تعالى:

{إن الله} أي: الذي له جميع صفات الكمال {يمسك السموات} أي: على كبرها وعلوها {والأرض} أي: على سعتها وبعدها عن التماسك على ما تشاهدون، وقوله تعالى {أن تزولا} أي: برجة عظيمة وزلزلة كبيرة يجوز أن يكون مفعولاً من أجله أي: كراهة أن تزولا، وقيل: لئلا تزولا، ويجوز أن يكون مفعولاً ثانياً على إسقاط الخافض أي: يمنعهما من أن تزولا، ويجوز أن يكون بدل اشتمال أي: يمنع زوالهما؛ لأن ثباتهما على ما هما عليه على غير القياس لولا شامخ قدرته وباهر عزته وعظمته، فإن ادعيتم عناداً أن شركاءكم لا يقدرون على الخلق لعلة من العلل فادعوهم لإزالة ما خلق الله تعالى.

ولما كان في هذا دليل على أنهما حادثتان زائلتان أتبعه ما هو أبين منه بقوله تعالى: معبراً بأداة الإمكان {ولئن} لام قسم {زالتا} أي: بزلزلة خراب أو غير ذلك {إن} أي: ما {أمسكهما من أحد من بعده} جواب القسم الموطأ له بلام القسم وجواب الشرط محذوف يدل عليه جواب القسم، ولذلك كان فعل الشرط ماضياً، وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري: والجملة سدت مسد الجوابين فيه تجوز، فالمراد بسدهما مسدهما أنها تدل عليهما لا أنها قائمة مقامهما إذ يلزم أن تكون معمولة وغير معمولة؛ لأنها باعتبار جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وباعتبار جواب الشرط لها محل، ومن في {من أحد} مزيدة لتأكيد الاستغراق وفي {من بعده} لابتداء الغاية، والمعنى: أحد سواه أو من بعد الزوال {إنه كان} أي: أزلاً وأبداً {حليماً} إذ أمسكهما وكانتا جديرتين بأن تهدّا هدّاً كما قال تعالى {تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً} (مريم: ٩٠)

لأنه لا يستعجل إلا من يخاف الفوت فينتهز الفرصة {غفوراً} أي: محاء لذنوب من رجع إليه وأقبل

<<  <  ج: ص:  >  >>