للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أن المراد به المؤمن؛ لأنه حي القلب والكافر كالميت في أنه لا يتدبر ولا يتفكر قال تعالى {أو من كان ميتاً فأحييناه} (الأنعام: ١٢٢)

والثاني: المراد به العاقل فهماً فيعقل ما يخاطب به فإن الغافل كالميت {ويحق} أي: يجب ويثبت {القول} أي: العذاب {على الكافرين} أي: الغريقين في الكفر فإنهم أموات في الحقيقة وإن رأيتهم أحياء، ويمكن أن تكون هذه الآية من الاحتباك حذف الإيمان أولاً لما دل عليه من ضده ثانياً، وحذف الموت ثانياً لما دل عليه من ضده أولاً، وأفرد الضمير في الأول على اللفظ إشارة إلى قلة السعداء، وجمع في الثاني على المعنى إعلاماً بكثرة الأشقياء.

{أو لم يروا} أي: يعلموا علماً هو كالرؤية، والاستفهام للتقرير والواو الداخلة عليها للعطف {أنا خلقنا لهم} أي: في جملة الناس {مما عملت أيدينا} أي: مما تولينا إحداثه ولم يقدر على إحداثه غيرنا، وذكر الأيدي وإسناد العمل إليها استعارة تفيد المبالغة في الاختصاص والتفرد في الإحداث، كما يقول القائل: عملت هذا بيدي إذا تفرد به ولم يشاركه فيه أحد {أنعاماً} على علم منا بقواها ومقاديرها ومنافعها وطبائعها وغير ذلك من أمورها، وإنما خص الأنعام بالذكر وإن كانت الأشياء كلها من خلقه وإيجاده، لأن الأنعام أكثر أموال العرب والنفع بها أعم {فهم لها مالكون} أي: خلقناها لأجلهم فملكناهم إياها يتصرفون فيها تصرف الملاك أو فهم لها ضابطون قاهرون ومنه قول بعضهم:

*أصبحت لا أملك السلاح ولا ... أملك رأس البعير إن نفرا*

*والذئب أخشاه إن مررت به ... وحدي وأخشى الرياح والمطرا*

والشاهد في قوله: ولا أملك رأس البعير أي: لا أضبطه والمعنى: لم نخلق الأنعام وحشية نافرة من بني آدم لا يقدرون على ضبطها بل خلقناها مذللة كما قال تعالى:

{وذللناها لهم} أي: يسرنا قيادها ولو شئنا جعلناها وحشية كما جعلنا أصغر منها وأضعف، فمن قدر على تذليل الأشياء الصعبة جداً لغيره قادر على تطويع الأشياء لنفسه ثم سبب عن ذلك قوله تعالى {فمنها ركوبهم} أي: ما يركبون وهي الإبل؛ لأنها أعظم مركوباتهم لعموم منافعها في ذلك وكثرتها {ومنها يأكلون} أي: ما يأكلون لحمه.

ولما أشار إلى عظمة نفع الركوب والأكل بتقديم الجار وكانت منافعها لغير ذلك كثيرة قال تعالى:

{ولهم فيها منافع} أي: من أصوافها وأوبارها وأشعارها وجلودها ونسلها وغير ذلك {ومشارب} أي: من ألبانها جمع مشرب بالفتح، وخص الشرب من عموم المنافع بعموم نفعه وجمعه لاختلاف طعوم ألبان الأنواع الثلاثة، ولما كانت هذه الأشياء من العظمة بمكان لو فقدها الإنسان لتكدرت معيشته تسبب عنها استئناف الإنكار عليهم في تخلفهم عن طاعته بقوله تعالى: {أفلا يشكرون} أي: المنعم عليهم بها فيؤمنون. ولما ذكرهم تعالى نعمه وحذرهم نقمه عجب منهم في سفول نظرهم وقبح أثرهم بقوله تعالى موبخاً لهم:

{واتخذوا من دون} أي: غير {الله} الذي له جميع صفات الكمال والعظمة {آلهة} أي: أصناماً يعبدونها بعدما رأوا منه تعالى تلك القدرة الباهرة والنعم المتظاهرة وعلموا أنه المنفرد بها {لعلهم ينصرون} أي: رجاء أن ينصروهم فيما أحزنهم من الأمور والأمر بالعكس

<<  <  ج: ص:  >  >>