كما قال تعالى:
{لا يستطيعون} أي: الآلهة المتخذة {نصرهم} أي: العابدين {وهم} أي: العابدون {لهم} أي: للآلهة {جند محضرون} أي: الكفار جند الأصنام فيغضبون لها ويحضرونها في الدنيا وهي لا تسوق لهم خيراً ولا تستطيع لهم نصراً، وقيل: هذا في الآخرة يؤتى بكل معبود من دون الله تعالى ومعه أتباعه الذين عبدوه كأنهم جنده يحضرون في النار وهذا كقوله تعالى: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} (الأنبياء: ٩٨)
وقوله تعالى: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم} (الصافات: ٢٢ ـ ٢٣)
ولما بين تعالى ما تبين من قدرته الظاهرة الباهرة ووهن أمرهم في الدنيا والآخرة ذكر ما يسلى نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى:
{فلا يحزنك قولهم} أي: في تكذيبك كقولهم: {لست مرسلاً} (الرعد: ٤٣)
{إنا نعلم ما} أي كل ما {يسرون} أي: في ضمائرهم من التكذيب وغيره {وما يعلنون} أي: يظهرونه بألسنتهم من الأذى وغيره من عبادة الأصنام فنجازيهم عليه.
ولما ذكر تعالى دليلاً على عظم قدرته ووجوب عبادته بقوله تعالى: {أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً} ذكر دليلاً من الأنفس أبين من الأول بقوله تعالى:
{أولم ير} أي: يعلم {الإنسان} علماً هو في ظهوره كالمحسوس بالبصر {أنا خلقناه} أي: بما لنا من العظمة {من نطفة} أي: شيء حقير يسير من ماء لا انتفاع به بعد إبداعنا إياه من تراب وأنه من لحم وعظام {فإذا هو} أي: فتسبب عن خلقنا له من ذلك المفاجأة لحالة هي أبعد شيء من حالة النطفة وهي أنه {خصيم} أي: بليغ الخصومة {مبين} أي: في غاية البيان عما يريده حتى إنه ليجادل من أعطاه العقل والقدرة في قدرته وأنشد الأستاذ القشيري في ذلك:
*أعلمه الرماية كل يوم ... فلما اشتد ساعده رماني*
*وكم علمته علم القوافي ... فلما قال قافية هجاني*
وفي هذا تسلية ثانية بتهوين ما يقولونه بالنسبة إلى إنكارهم الحشر وفيه تقبيح بليغ لإنكاره، حيث تعجب منه وجعله إفراطاً في الخصومة بيناً ومنافاته لجحود القدرة على ما هو أهون مما علمه في بدء خلقه ومقابلة النعمة التي لا مزيد عليها وهي خلقه من أخس شيء وأمهنه شريفاً مكرماً بالعقوق والتكذيب.
{وضرب} أي: هذا الإنسان {لنا} أي: على ما يعلم من عظمتنا {مثلاً} أي: أمراً عجيباً وهو نفي القدرة على إحياء الموتى، روي: «أن أبي بن خلف الجمحي وهو الذي قتله النبي صلى الله عليه وسلم بأحد مبارزة، أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم بال يفتته بيده فقال: أترى الله يحيي هذا بعدما رم؟ فقال صلى الله عليه وسلم نعم ويبعثك ويدخلك النار» فنزلت. وقيل: هو العاصي بن وائل قاله الجلال المحلي وأكثر المفسرين على الأول {ونسي} أي: هذا الذي تصدى على مهانة أصله لمخاصمة الجبار {خلقه} أي: بدء أمره من المني وهو أغرب من مثله، والنسيان هنا يحتمل أن يكون بمعنى الذهول وأن يكون بمعنى الترك، ثم استأنف الإخبار عن هذا المثل بأن {قال} أي: على طريق الإنكار {من يحيي العظام وهي رميم} أي: صارت تراباً تمرّ مع الرياح ورميم قال البيضاوي: بمعنى فاعل من رم الشيء صار اسماً بالغلبة ولذلك لم يؤنث، أو اسم مفعول من رممته، وفيه دليل على أن العظم ذو حياة فيؤثر فيه الموت كسائر الأعضاء ا. هـ.