الجحيم} قال الحسن: أصلها في قعر جهنم وأغصانها ترتفع إلى دركاتها.
الصفة الثانية قوله تعالى:
{طلعها} أي: ثمرها قال الزمخشري: الطلع للنخلة فاستعير لما طلع من شجرة الزقوم من حملها إما استعارة لفظية أو معنوية قال ابن قتيبة: سمي طلعاً لطلوعه كل سنة فكذلك قيل: طلع النخل لأول ما يخرج من ثمره ثم وصف ذلك الطلع بقوله تعالى: {كأنه رؤوس الشياطين} وفيه وجهان: أحدهما: أنه حقيقة وأن رؤوس الشياطين شجرة معينة بناحية اليمن وتسمى: الأستن قال النابغة:
*تحيد عن أستن سود أسافله ... مثل الإماء الغوادي تحمل الحزما*
وهو شجر منكر الصورة مر، تسميه العرب بذلك تشبيهاً برؤوس الشياطين في القبح ثم صار أصلاً يشبه به، وقيل: الشياطين صنف من الحيات لهن أعراف قال الراجز:
*عنجرد تحلف حين أحلف ... كمثل شيطان الحماط أعرف*
وقيل: شجرة يقال لها: الصوم ومنه قول ساعدة بن حربة:
*موكل بسروف الصوم يرقبها ... من المعارف محفوظ الحشا ورم*
فعلى هذا خوطب العرب بما تعرفه وهذه الشجرة موجودة فالكلام حقيقة.
والثاني: أنه من باب النخيل والتمثيل، وذلك أن كل ما يستنكر ويستقبح في الطباع والصورة يشبه بما يتخيله الوهم وإن لم يكن يراه، والشياطين وإن كانوا موجودين غير مرئيين للعرب إلا أنه خاطبهم بما ألفوه من الاستعارات التخيلية وذلك كقول امرئ القيس:
*أيقتلني والمشرفي مضاجعي ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال*
ولم ير أنيابها بل ليست موجودة البتة قال الرازي: وهذا هو الصحيح وذلك أن الناس لما اعتقدوا في الملائكة عليهم السلام كمال الفضل في الصورة والسيرة فكما حسن تشبيه يوسف عليه السلام بالملك عند إرادة الكمال والفضيلة في قول النسوة {إن هذا إلا ملك كريم} (يوسف: ٣١)
فكذلك حسن التشبيه برؤوس الشياطين في القبح وتشويه الخلقة، ويؤكد هذا أن العقلاء إذا رأوا شيئاً شديد الاضطراب منكر الصورة قبيح الخلقة قالوا: إنه شيطان وإذا رأوا شيئاً حسناً قالوا: إنه ملك من الملائكة، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: هم الشياطين بأعيانهم.
{فإنهم} أي: الكفار {لآكلون منها} أي: من الشجرة أو من طلعها {فمالئون منها البطون} والملء حشو الوعاء بما لا يحتمل الزيادة عليه، فإن قيل: كيف يأكلونها مع نهاية خشونتها ونتنها ومرارة طعمها؟ أجيب: بأن المضطر ربما استروح من الضرر بما يقاربه في الضرر فإذا جوعهم الله تعالى الجوع الشديد فزعوا إلى إزالة ذلك الجوع بتناول هذا الشيء، أو يقال: إن الزبانية يكرهونهم على الأكل من تلك الشجرة لعذابهم.
ولما ذكر الله تعالى طعامهم بتلك الشناعة والكراهية وصف شرابهم بما هو أشنع منه بقوله تعالى:
{ثم إن لهم عليها} أي: بعد ما شبعوا منها وغلبهم العطش {لشوباً من حميم} أي: ماء حار يشربونه فيختلط بالمأكول منها فيصير شوباً، وعطف بثم لأحد معنيين: إما لأنه يؤخر ما يظنونه يرويهم من عطشهم زيادة في عذابهم فلذلك أتى بثم المقتضية للتراخي، وإما لأن العادة تقتضي