تراخي الشرب عن الأكل فعمل على ذلك المنوال، وأما ملء البطن فيعقب الأكل فلذلك عطف على ما قبله بالفاء قال الزجاج: الشراب اسم عام في كل ما خلط بغيره والشوب الخلط والمزج ومنه شاب اللبن يشوبه أي: خلطه ومزجه.
{ثم إن مرجعهم} أي: مصيرهم {لإلى الجحيم} قال مقاتل: أي: بعد أكل الزقوم وشرب الحميم وهذا يدل على أنهم عند شرب الحميم لم يكونوا في الجحيم وذلك بأن يكون الحميم في موضع خارج عن الجحيم فهم يردون الحميم لأجل الشرب كما ترد الإبل الماء ويدل عليه قوله تعالى {يطوفون بينها وبين حميم آن} (الرحمن: ٤٤)
وقوله تعالى:
{إنهم ألفوا} أي: وجدوا {آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون} تعليل لاستحقاقهم تلك الشدائد قال الفراء: الإهراع الإسراع يقال: هرع وأهرع إذا استحث والمعنى: أنهم يتبعون آباءهم في سرعة كأنهم يزعجون إلى اتباع آبائهم، وفيه إشعار بأنهم بادروا إلى ذلك من غير توقف على نظر وبحث، ثم إنه تعالى ذكر لرسوله صلى الله عليه وسلم ما يسليه في كفرهم وتكذيبهم يقوله سبحانه:
{ولقد ضل قبلهم} أي: قبل قومك {أكثر الأولين} أي: من الأمم الماضية.
{ولقد أرسلنا فيهم منذرين} أي: أنبياء أنذروهم من العواقب فبين تعالى أن إرساله الرسل قد تقدم والتكذيب لهم قد سلف فوجب أن يكون له صلى الله عليه وسلم أسوة بهم حتى يصبر كما صبروا ويستمر على الدعاء إلى الله تعالى وإن تمردوا فليس عليه إلا البلاغ، وقرأ قالون وابن كثير وعاصم بإظهار الدال، والباقون بالإدغام ثم قال تعالى:
{فانظر كيف كان عاقبة المنذرين} أي: الكافرين كان عاقبتهم العذاب وهذا خطاب وإن كان ظاهره مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن المقصود منه خطاب الكفار؛ لأنهم سمعوا بالأخبار ما جرى على قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم من أنواع العذاب فإن لم يعلموا ذلك فلا أقل من ظن وخوفه يحتمل أن يكون زاجراً لهم عن كفرهم وقوله تعالى:
{إلا عباد الله المخلصين} استثناء من المنذرين استثناء منقطع؛ لأنه وعيد وهم لا يدخلون في هذا الوعيد، وقيل: استثناء من قوله تعالى {ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين} والمراد بالمخلصين: الموحدون نجوا من العذاب وتقدمت القراءة في المخلصين، ثم شرع تعالى في تفصيل القصص بعد إجمالها بقوله تعالى:
{ولقد نادانا نوح} أي: نادى ربه أن ينجيه مع من نجي من الغرق بقوله: رب إني مغلوب فانتصر فأجاب الله تعالى دعاءه وقوله تعالى {فلنعم المجيبون} جواب قسم مقدر أي: فوالله ومثله: لعمري لنعم السيدان وجدتما، والمخصوص بالمدح محذوف أي: نحن أجبنا دعاءه وأهلكنا قومه.
{ونجيناه وأهله من الكرب العظيم} أي: من الغرق وأذى قومه وهذه الإجابة كانت من النعم العظيمة وذلك من وجوه أولها: أنه تعالى عبر عن ذاته بصيغة الجمع فقال: {ولقد نادانا نوح} فالقادر العظيم لا يليق به إلا الإحسان العظيم.
وثانيها: أنه تعالى أعاد صيغة الجمع فقال تعالى {فلنعم المجيبون} وفي ذلك أيضاً ما يدل على تعظيم تلك النعمة لا سيما وقد وصف الله تعالى تلك الإجابة بأنها نعمت الإجابة.
وثالثها: أن الفاء في قوله تعالى {فلنعم المجيبون} تدل على أن حصول تلك الإجابة مرتب على ذلك النداء وهذا يدل على أن النداء بالإخلاص سبب لحصول الإجابة وقوله تعالى:
{وجعلنا ذريته هم الباقين} يفيد الحصر، وذلك يدل على أن كل من سواه وسوى ذريته قد فنوا