أي: أنعمنا عليهما بالنبوة وغيرها من المنافع الدينية والدنيوية.
{ونجيناهما وقومهما} أي: بني إسرائيل {من الكرب} أي: الغم {العظيم} أي: الذي كانوا فيه من استعباد فرعون إياهم، وقيل: من الغرق، والضمير في قوله تعالى:
{ونصرناهم} يعود على موسى وهارون وقومهما، وقيل: على الإثنين بلفظ الجمع تعظيماً كقوله تعالى {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} (الطلاق: ١)
وقول الشاعر:
فإن شئت حرمت النساء سواكم.
{فكانوا هم الغالبين} أي: على فرعون وقومه في كل الأحوال، أما في أول الأمر فبظهور الحجة، وأما في آخر الأمر فبالدولة والرفعة.
تنبيه: يجوز في هم أن يكون تأكيداً، وأن يكون بدلاً، وأن يكون فصلاً وهو الأظهر.
{وآتيناهما الكتاب المستبين} أي: المستنير البليغ البيان المشتمل على جميع العلوم المحتاج إليها في مصالح الدين والدنيا وهو التوراة كما قال تعالى: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور} (المائدة: ٤٤)
{وهديناهما الصراط المستقيم} أي: دللناهما على الطريق الموصل إلى الحق والصواب عقلاً وسمعاً.
{وتركنا} أي: أبقينا {عليهما} ثناء حسناً {في الآخرين} {سلام} أي: منا {على موسى وهارون} {إنا كذلك} أي: كما جزيناهما {نجزي المحسنين} وقوله تعالى:
{إنهما من عبادنا المؤمنين} تعليل لإحسانهما بالإيمان وإظهار لجلالة قدره وأصالة أمره.
القصة الرابعة قصة الياس عليه السلام المذكورة في قوله تعالى:
{وإن الياس لمن المرسلين} روي عن ابن مسعود أنه قال: الياس هو إدريس، وهو قول عكرمة وقال أكثر المفسرين: إنه نبي من أنبياء بني إسرائيل، قال ابن عباس: وهو ابن عم اليسع عليهما السلام، وقال محمد بن إسحاق: هو إلياس بن بشير بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران عليهما السلام.
تنبيه: أذكر فيه شيئاً من قصته عليه السلام قال علماء السير والأخبار: لما قبض الله تعالى حزقيل النبي عليه السلام عظمت الأحداث في بني إسرائيل وظهر فيهم الفساد والشرك ونصبوا الأصنام وعبدوها من دون الله عز وجل، فبعث الله تعالى إليهم إلياس نبياً وكانت الأنبياء من بني إسرائيل يبعثون بعد موسى عليه السلام بتجديد ما نسوا من أحكام التوراة، وبنو إسرائيل كانوا متفرقين في أرض الشام وكان سبب ذلك أن يوشع بن نون عليه السلام لما فتح الشام قسمها على بني إسرائيل وأحل سبطاً منها ببعلبك ونواحيها وهم السبط الذين كان منهم الياس، فبعثه الله تعالى إليهم نبياً وعليهم يومئذ ملك اسمه لاجب وكان أضل قومه وجبرهم على عبادة الأصنام، وكان لهم صنم طوله عشرون ذراعاً وله أربعة وجوه وكان يسمى: ببعل وكانوا قد فتنوا به وعظموه وجعلوا له أربعمائة سادن أي: خادم، وكان الشيطان يدخل في جوف بعل ويتكلم بشريعة الضلالة والسدنة يحفظونها عنه ويبلغونها الناس وهم أهل بعلبك، وكان الياس يدعوهم إلى عبادة الله وهم لا يسمعون له ولا يؤمنون به إلا ما كان من أمر الملك فإنه آمن به وصدقه، فكان إلياس يقوم بأمره ويسدده ويرشده وكان للملك امرأة تسمى: بإزميل جبارة وكان يستخلفها على ملكه إذا غاب عنهم في غزاة أو غيرها، وكانت تبرز للناس فتقضي بينهم وكانت قتالة للأنبياء، ويقال: إنها هي التي قتلت يحيى بن زكريا عليهما السلام، وكان له كاتب رجل مؤمن حليم يكتم إيمانه وكان قد خلص من يدها ثلثمائة نبي كانت تريد قتلهم إذا بعث كل واحد