للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقيل: أنتم قدمتم هذا العذاب لنا بدعائكم إيانا إلى الكفر {فبئس القرار} أي: النار لنا ولكم.

{قالوا} أي: الأتباع أيضاً {ربنا من قدم لنا هذا} أي: شرعه وسنه لنا {فزده عذاباً ضعفاً} أي: مثل عذابه على كفره {في النار} قال ابن مسعود: يعني حيات وأفاعي.

{وقالوا} أي: الطاغون وهم في النار {ما لنا لا نرى رجالاً كنا نعدهم من الأشرار} يعنون فقراء المؤمنين كعمار وخباب وصهيب وبلال وسلمان الذين كانوا يسترذلونهم ويسخرون بهم وقولهم:

{أتخذناهم سخرياً} صفة أخرى ل {رجالاً} أي: كنا نسخر بهم في الدنيا، وقرأ نافع وحمزة والكسائي بضم السين والباقون بكسرها {أم زاغت} أي: مالت {عنهم الأبصار} أي: فلم نرهم حين دخلوها وقال ابن كيسان: أي: أم كانوا خيراً منا ونحن لا نعلم فكانت أبصارنا تزيغ عنهم في الدنيا فلا نعدهم شيئاً.

{إن ذلك} أي: الذي حكيناه عنهم {لحق} أي: واجب وقوعه فلا بد أن يتكلموا به ثم بين ذلك الذي حكاه عنهم بقوله تعالى: {تخاصم أهل النار} أي: في النار وإنما سماه تخاصماً لأن قول القادة للأتباع: لا مرحباً بهم، وقول الأتباع للقادة: بل أنتم لا مرحباً بكم من باب الخصومة.

تنبيه: يصح في تخاصم أوجه من الإعراب أحدها: أنه بدل من لحق، الثاني: أنه عطف بيان، الثالث: أنه خبر ثان لأن، الرابع: أنه خبر مبتدأ مضمر أي: هو تخاصم.

ولما شرح سبحانه نعيم أهل الثواب وعقاب أهل العذاب عاد إلى تقرير التوحيد والنبوة والبعث المذكورات أول السورة بقوله تعالى:

{قل} يا أفضل الخلق للمشركين {إنما أنا منذرٌ} أي: مخوف بالنار لمن عصى {و} لا بد من الإقرار بأنه {ما من إله إلا الله} أي: الجامع لجميع الأسماء الحسنى {الواحد القهار} فكونه واحداً يدل على عدم الشريك وكونه قهاراً مشعر بالتخويف والترهيب.

ولما ذكر ذلك أردفه بما يدل على الرجاء والترغيب بقوله تعالى: شأنه:

{رب السموات} أي: مبدعها وحافظها على علوها وسعتها وإحكامها بما لها من الزينة والمنافع {والأرض} أي: على سعتها وضخامتها وكثافتها وما فيها من العجائب {وما بينهما} أي: الخافقين من الفضاء والهواء وغيرهما من العناصر والنبات والحيوانات العقلاء وغيرها ربي كل شيء من ذلك إيجاداً وإبقاء على ما يريد وإن كره ذلك المربوب فدل ذلك على قهره وتفرده {العزيز} أي: الغالب على أمره {الغفار} فكونه رباً يشعر بالتربية والكرم والإحسان والجود وكونه غفاراً يشعر بأن العبد لو أقدم على المعاصي والذنوب ثم تاب إليه فإنه يغفرها برحمته، وهذا الموصوف بهذه الصفات هو الذي تجب عبادته لأنه هو الذي يخشى عقابه ويرجى ثوابه وقوله تعالى:

{قل} أي: لهم {هو نبأ عظيم} يعود على القرآن وما فيه من القصص والأخبار، وقيل: تخاصم أهل النار، وقيل: على ما تقدم من إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه نذير مبين وبأن الله تعالى إله واحد متصف بتلك الصفات الحسنى وقوله تعالى:

{أنتم عنه معرضون} صفة لنبأ أي: لتمادي غفلتكم فإن العاقل لا يعرض عن مثله كيف وقد قامت عليه الحجج الواضحة إما على التوحيد فما مر وإما على النبوة، فقوله تعالى:

{ما كان لي من علم بالملأ الأعلى} أي: الملائكة فقوله: {بالملأ} متعلق بقوله

<<  <  ج: ص:  >  >>