{من علم} وضمن معنى الإحاطة فلذلك تعدى بالباء {إذ يختصمون} أي: في شأن آدم عليه السلام حين قال الله عز وجل: {إني جاعل في الأرض خليفة}(البقرة: ٣٠)
الآية، فإن قيل: الملائكة لا يجوز أن يقال إنهم اختصموا بسبب قولهم: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء}(البقرة: ٣٠)
فالمخاصمة مع الله تعالى كفر؟ أجيب: بأنه لا شك أنه جرى هناك سؤال وجواب وذلك يشبه المخاصمة والمناظرة والمشابهة علة المجاز فلهذا السبب حسن إطلاق لفظ المخاصمة، ولما أمر الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم أن يذكر هذا الكلام على سبيل الزجر أمره أن يقول:
{إن} أي: ما {يوحي إلي إلا أنما} أي: أني {أنا نذير مبين} أي: بين الإنذار فأبين لكم ما تأتونه وما تجتنبونه، وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت ربي في أحسن صورة، قال ابن عباس رضي الله عنه: أحسبه قال في المنام فقال: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى، قلت: أنت أعلم أي رب مرتين، قال: فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي أو قال: في نحري فعلمت ما في السموات وما في الأرض، وفي رواية ثم تلا هذه الآية {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين}(الأنعام: ٧٥)
ثم قال: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى قلت: نعم في الدرجات والكفارات، قال: وما هن قلت: المشي على الأقدام إلى الجماعات والجلوس في المساجد بعد الصلوات وإسباغ الوضوء في المكاره، قال: من يفعل ذلك يعيش بخير ويموت بخير وخرج من خطيئته كيوم ولدته أمه وقال: يا محمد إذا صليت فقل: اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون» قال: ومن الدرجات إفشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام، وفي رواية:«فقلت: لبيك وسعديك في المرتين وفيهما فعلمت ما بين المشرق والمغرب» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب، وللعلماء في هذا الحديث وأمثاله من أحاديث الصفات مذهبان.
أحدهما: مذهب السلف وهو إقراره كما جاء من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل والإيمان به من غير تأويل له والسكوت عنه مع الاعتقاد بأن ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
والمذهب الثاني: مذهب الخلف: وهو تأويل الحديث فقوله صلى الله عليه وسلم رأيت ربي في أحسن صورة يحتمل وجهين:
أحدهما: وأنا في أحسن صورة كأنه زاده جمالاً وكمالاً وحسناً عند رؤيته لربه وإنما التغيير وقع بعده لشدة الوحي وثقله.
الثاني: أن الصورة بمعنى الصفة ويرجع ذلك إلى الله تعالى والمعنى: أنه رآه في أحسن صفاته من الإنعام عليه والإقبال إليه والله تعالى تلقاه بالإكرام والإعظام فأخبر صلى الله عليه وسلم عن عظمته وكبريائه وبهائه وبعده عن شبهه بالخلق وتنزيهه عن صفات النقص وأنه ليس كمثله وهو السميع البصير وقوله صلى الله عليه وسلم فوضع يده بين كتفي إلخ فالمراد باليد: النعمة والمنة والرحمة وذلك شائع في لغة العرب فيكون معناه على هذا الإخبار بإكرام الله تعالى إياه وإنعامه عليه بأن شرح صدره ونور قلبه وعرفه ما لم يعرفه حتى وجد برد النعمة والرحمة والمعرفة في قلبه، وذلك لما نور قلبه وشرح صدره فعلم ما في السموات وما في الأرض بإعلام الله تعالى إياه فإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول