للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا يماثل الخالق فيقوم مقام الولد له.

ثم نزه نفسه سبحانه فقال تعالى شأنه {سبحانه} أي: تنزيهاً له عن ذلك وعما لا يليق بطهارته ثم أقام الدليل على هذا التنزيه المقتضي فقال تعالى: {هو} أي: الفاعل لهذا الفعال القائل لهذه الأقوال {الله} أي: الجامع لجميع صفات الكمال ثم ذكر من الأوصاف ما هو كالعلة لذلك فقال: {الواحد} أي: في ملكه الذي لا شريك له ولا ولد ولا والد له {القهار} أي: الغالب الكامل القدرة فكل شيء تحت قدرته.

ولما ثبتت هذه الصفات التي نفت أن يكون له شريك أو ولد وأثبتت له الكمال المطلق استدل على ذلك بقوله تعالى:

{خلق السموات والأرض} أي: أبدعهما من العدم وقوله تعالى: {بالحق} متعلق بخلق لأن الدلائل التي ذكرها الله تعالى في إثبات الإلهية إما أن تكون فلكية أو أرضية، أما الفلكية فأقسام؛ أحدها: خلق السموات والأرض، وثانيها: اختلاف الليل والنهار كما قال تعالى {يكور} أي: يدخل {الليل على النهار ويكور النهار على الليل} قال الحسن: ينقص من الليل فيزيد في النهار وينقص من النهار فيزيد في الليل فما نقص من الليل دخل في النهار، وما نقص من النهار دخل في الليل. قال البغوي: ومنتهى النقص تسع ساعات، ومنتهى الزيادة: خمس عشرة ساعة. وقال قتادة: يغشى هذا هذا كما قال تعالى {يغشي الليل النهار} (الأعراف: ٥٤)

وقال الرازي: إن النور والظلمة عسكران عظيمان وفي كل يوم يغلب هذا ذاك وذاك هذا وذلك يدل على أن كل واحد مغلوب مقهور ولابد من غالب قاهر لهما يكونان تحت تدبيره وقهره وهو الله تعالى انتهى. وورد في الحديث: «نعوذ بالله من الحور بعد الكور» أي: من النقصان بعد الزيادة وقيل: من الإدبار بعد الإقبال.

{وسخر} أي: ذلل وأكره وقهر وكلف لما يريد من غير نفع للمسخر {الشمس والقمر} فإن الشمس سلطان النهار والقمر سلطان الليل وأكثر مصالح هذا العالم مربوطة بهما {كلٌ} أي: منهما {يجري لأجل مسمى} أي: إلى يوم القيامة لا يزالان يجريان إلى هذا اليوم فإذا كان يوم القيامة ذهبا، والمراد من هذا التسخير: أن هذه الأفلاك تدور كدوران المنجنون أي: الدولاب الذي يسقى عليه على حد واحد {ألا هو العزيز} أي: الغالب على أمره المنتقم من أعدائه {الغفار} أي: الذي له صفة الستر على الذنوب متكررة يمحو ذنوب من يشاء عيناً وأثراً بمغفرته.

ثم إنه تعالى لما ذكر الدلائل الفلكية أتبعها بذكر الدلائل السفلية فقال تعالى:

{خلقكم} أيها الناس المدعون إلهية غيره {من نفس واحدة} وهي آدم عليه السلام {ثم جعل منها} أي: من تلك النفس {زوجها} حواء وإنما بدأ منها بذكر الإنسان لأنه أقرب وأكبر دلالة وأعجب، وفيه ثلاث دلالات: خلق آدم أولاً من غير أب وأم، ثم خلق حواء من قصيراه، ثم تشعب الخلق الفائت للحصر منهما فهما آيتان إلا أن إحداهما جعلها الله تعالى عادة مستمرة والأخرى لم تجر بها العادة ولم يخلق أنثى غير حواء من قصيرى رجل.

تنبيه: في ثم هذه أوجه؛ أحدها: أنها على بابها من الترتيب بمهلة وذلك يروى أن الله تعالى أخرج ذرية آدم ثم ظهره كالذر ثم خلق حواء بعد ذلك بزمان. ثانيها: أنها على بابها أيضاً لكن لمدرك آخر وهو أن يعطف بها ما بعدها على ما فهم من الصفة في قوله تعالى {واحدة} إذ التقدير من نفس وحدت أي: انفردت

<<  <  ج: ص:  >  >>