أي: بكثرة {من قبلك} إلى أممهم ليبلغوا عنا ما أمرناهم به {منهم من قصصنا} بما لنا من العظمة {عليك} أي: أخبارهم وأخبار أممهم {ومنهم من لم نقصص عليك} لا أخبارهم ولا أخبار أممهم ولا ذكرناهم لك بأسمائهم وإن كان لنا العلم التام والقدرة الكاملة، روي أن الله تعالى بعث ثمانية آلاف نبي أربعة آلاف من بني إسرائيل وأربعة آلاف من سائر الناس {وما} أي: أرسلناهم والحال أنه ما {كان لرسول} أصلاً {أن يأتي بآية} أي: ملجئة أو غير ملجئة مما يطلب الرسول استعجالاً لاتباع قومه له أو اقتراحاً من قومه عليه {إلا بإذن الله} أي: بأمره وتمكينه فإن له الإحاطة بكل شيء فلا يخرج شيء عن أمره وهم عبيد مربوبون.
تنبيه: معنى الآية أن الله تعالى قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنت كالرسل من قبلك وقد ذكرنا حال بعضهم لك ولم نذكر حال الباقين وليس منهم أحد أعطاه الله آيات ومعجزات إلا وقد جادله قومه وكذبوه فيها فصبروا وكانوا أبداً يقترحون على أنبيائهم عليهم السلام إظهار المعجزات الزائدة على الحاجة عناداً وعبثاً، وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله تعالى والله سبحانه علم الصلاح في إظهار ما أظهروه دون غيره ولم يقدح ذلك في نبوتهم، فكذلك الحال في اقتراح قومك عليك المعجزات الزائدة لما لم يكن إظهارها صلاحاً لا جرم ما أظهرناها {فإذا جاء أمر الله} أي: المحيط بكل شيء قدرة وعلماً بنزول العذاب على الكفار {قُضِي} أي: بأمره على أيسر وجه وأسهله بين الرسل ومكذبيهم {بالحق} الأمر الثابت {وخسر هنالك} أي: في ذلك الوقت العظيم {المبطلون} أي: المنسوبون إلى إيثار الباطل على الحق المعاندون الذين يجادلون في آيات الله، فيقترحون المعجزات الزائدة على قدر الحاجة تعنتاً وعبثاً، وقرأ قالون والبزي وأبو عمرو بإسقاط الهمزة الأولى مع المد والقصر، وسهل ورش وقنبل الهمزة الثانية وأبدلاها أيضاً ألفاً، وقرأ الباقون بتحقيق الهمزتين.
ولما ذكر الله تعالى الوعيد عاد إلى ذكر ما يدل على وجود الإله القادر الحكيم، وإلى ذكر ما يصلح أن يعد إنعاماً على العباد فقال تعالى:
{الله} أي: الملك الأعظم {الذي جعل لكم} أي: لا غيره {الأنعام} أي: الأزواج الثمانية بالتذلل والتسخير، وقال الزجاج: الأنعام الإبل خاصة {لتركبوا منها} وهي الإبل مع قوتها ونفرتها وقد تركب البقر أيضاً {ومنها} أي: من الأنعام كلها {تأكلون} ولما كان التصرف فيها غير منضبط أجمله بقوله تعالى:
{ولكم فيها} أي: كلها {منافع} أي: كثيرة بغير ذلك من الدر والوبر والصوف وغيرها {ولتبلغوا عليها} وهي في غاية الذل والطواعية ونبههم على نقصهم وعظم نعمته عليهم بقوله تعالى: {حاجة} أي: جنس الحاجة، وقوله تعالى:{في صدوركم} إشارة إلى أن حاجة واحدة ضاقت عنها قلوب الجميع حتى فاضت منها فملأت مساكنها {وعليها} أي: الإبل في البر {وعلى الفلك} أي: في البحر {تحملون} أي: تحملون أمتعتكم الثقيلة من مكان إلى مكان آخر وأما حمل الإنسان نفسه فقد مر بالركوب، فإن قيل: لِمَ لم يقل وفي الفلك كما قال تعالى في سورة هود: {قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين}(هود: ٤٠)
أجيب: بأن كلمة على للاستعلاء فالشيء الذي يوضع على الفلك كما صح أن يقال وضع فيه صح أن يقال وضع عليه، ولما صح