الوجهان كانت لفظة على أولى حتى تتم المزاوجة في قوله تعالى {وعليها وعلى الفلك تحملون} (المؤمنون: ٢٢)
وقال بعضهم: أن لفظ فيها هناك أليق لأن سفينة نوح عليه السلام كما قيل مسبقة عليهم وهي محيطة بهم كالوعاء وأما غيرها فالاستعلاء فيه واضح لأن الناس على ظهرها.
ولما كانت هذه آية عظيمة جعلها الله سبحانه وتعالى مشتملة على آيات كثيرة قال تعالى:
{ويريكم} أي: في كل لحظة {آياته} أي: دلائل قدرته {فأي آيات الله} أي: المحيط بصفات الكمال الدالة على وحدانيته {تنكرون} حتى تتوجه لكم المجادلة في آياته وهذا استفهام توبيخ.
تنبيه: أي: منصوب بتنكرون وقدم وجوباً لأن له صدر الكلام وتذكيره أشهر من تأنيثه، قال الزمخشري: وقولك فأية آيات الله قليل لأن التفرقة بين المذكر والمؤنث في الأسماء غير الصفات نحو حمار وحمارة غريب وهو في أي: أغرب لإبهامه، قال أبو حيان: ومن قلة تأنيث أي: قول الشاعر:
*بأي كتاب أم بأية سنة ... ترى حبهم عاراً علي وتحسب*
قال ابن عادل: وقوله وهو في أي أغرب إن عني أياً على الإطلاق فليس بصحيح؛ لأن المستفيض في النداء أن تؤنث في نداء المؤنث كقوله تعالى: {يا أيتها النفس المطمئنة} (الفجر: ٢٧)
ولا نعلم أحداً ذكر تذكيرها فيه فيقول: يا أيها المرأة إلا صاحب «البديع في النحو» وإن عني غير المناداة فكلامه صحيح، يقل تأنيثها في الاستفهام وموصولة وشرطية.
ولما وصل الأمر إلى حد من الوضوح لا يخفى على أحد تسبب عنه لفت الخطاب عنهم دلالة على الغضب الموجب للعقاب المقتضي للرهب فقال تعالى:
{أفلم يسيروا} أي: هؤلاء الذين هم أضل من الإنعام، لما حصل في صدورهم من الكبر العظيم طلباً للرياسة والتقديم على الغير في المال والجاه {في الأرض} أي أرض كانت سير اعتبار {فينظروا} نظر تفكر فيما سلكوه من سبلها ونواحيها {كيف كان عاقبة} أي: آخر {الذين من قبلهم} أي: مع قرب الزمان والمكان أو بعد ذلك {كانوا أكثر منهم} عَدداً وعُدداً ومالاً وجاهاً {وأشد قوة} في الأبدان كقوم هود عليه السلام وبناء {وآثاراً في الأرض} بنحت البيوت في الجبال وحفر الآبار وبناء المصانع الجليلة وغير ذلك {فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون} بقوة أبدانهم وعظم عقولهم واحتيالهم وما رتبوا من المصانع لنجاتهم حين جاءهم الموت بل كانوا كأمس الذاهب.
تنبيه: ما الأولى نافية أو استفهامية منصوبة بأغنى، والثانية موصولة أو مصدرية مرفوعة به.
{فلما جاءتهم رسلهم} أي: الذين قد أرسلناهم إليهم وهم يعرفون صدقهم وأماناتهم {بالبينات} أي: المعجزات الظاهرات الدالة على صدقهم لا محالة واختلف في عود ضمير فرحوا في قوله تعالى: {فرحوا بما عندهم من العلم} على وجهين؛ أحدهما: أنه عائد إلى الكفار واختلف في ذلك العلم الذي فرحوا به فقيل: هو الأشياء التي كانوا يسمونها علماً وهي الشبهات المحكية عنهم في القرآن كقولهم: {ما يهلكنا إلا الدهر} (الجاثية: ٢٤)
وقولهم: {لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا} (الأنعام: ١٤٨)
وقولهم: {من يحيي العظام وهي رميم} (يس: ٧٨)
{ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلباً} (الكهف: ٣٦)
فكانوا يفرحون بذلك ويدفعون به علوم الأنبياء كما قال تعالى: {كل حزب بما لديهم فرحون} (الروم: ٣٢)
وقيل: المراد علم الفلاسفة فإنهم كانوا إذا سمعوا بوحي الله تعالى دفعوه وصغروا علوم الأنبياء