للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عن علومهم، كما روي عن بقراط أنه سمع بمجيء بعض الأنبياء عليهم السلام فقيل له: لو هاجرت إليه فقال: نحن قوم مهتدون فلا حاجة بنا إلى من يهدينا. وقيل: المراد علمهم بأمر الدنيا ومعرفتهم بتدبيرها كقوله تعالى: {يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ذلك مبلغهم من العلم} (النجم: ٢٩ ـ ٣٠)

فلما جاءت الرسل عليهم السلام بعلوم الديانات ومعرفة الله عز وجل ومعرفة المعاد وتطهير النفس من الرذائل لم يلتفتوا إليها واستهزؤوا بها واعتقدوا أن لا علم أنفع وأجلب للفوائد من علمهم ففرحوا به، ويجوز أن يكون المراد علم الأنبياء وفرح الكفار به ضحكهم واستهزاؤهم به ويؤيده قوله تعالى: {وحاق} أي: أحاط على وجه الشدة {بهم ما كانوا به يستهزئون} أي: من الوعيد الذي كانوا قاطعين ببطلانه، والوجه الثاني: أنه عائد على الرسل وفيه وجهان؛ أحدهما: أن تفرح الرسل إذا رأوا من قوم جهلاً كاملاً وإعراضاً عن الحق وعلموا سوء غفلتهم وما يلحقهم من العقوبة على جهلهم وإعراضهم فرحوا بما أوتوا من العلم وشكروا الله تعالى وحاق بالجاهلين جزاء جهلهم واستهزائهم، الثاني: أن المراد أن الرسل فرحوا بما عند الكفار من العلم فرح ضحك واستهزاء.

{فلما رأوا} أي: عاينوا {بأسنا} أي: عذابنا الشديد ومنه قوله تعالى: {بعذاب بئيس} (الأعراف: ١٦٥)

{قالوا آمنا بالله} أي: الذي له مجامع العظمة ومعاقد العز ونفوذ الكلمة {وحده} لا نشرك به شيئاً {وكفرنا بما كنا} أي: جبلة وطبعاً {به مشركين} يعنون الأصنام أي: لأنا علمنا أنه لا يغني من دون الله شيء.

ولما كان الكفر بالغيب سبباً لعدم قبول الإيمان عند الشهادة قال تعالى:

{فلم يك ينفعهم} أي: لم يصح ولم يقبل بوجه من الوجوه {إيمانهم} أي: لا يتجدد لهم نفعه بعد ذلك لأنه إيمان الجاء واضطرار، لا إيمان طواعية واختيار {لما رأوا} وأظهر موضع الإضمار زيادة في الترهيب فقال تعالى شأنه: {بأسنا} أي: عذابنا لامتناع قبول الإيمان حينئذ لأنه لا يتحقق ولا يتصور إلا مع الغيب، وأما عند الشهادة فقد كشفت سريرته على انه قد فاتت حقيقته وصورته، ولو ردوا لعادوا لما نهو عنه، فإن قيل: أي: فرق بين قوله تعالى: {فلم يك ينفعهم إيمانهم} وبينه، لو قيل فلم ينفعهم إيمانهم؟ أجيب: بأنه من كان في نحو قوله تعالى: {ما كان الله أن يتخذ من ولد} (مريم: ٣٥)

والمعنى فلم يصح ولم يستقم أن ينفعهم إيمانهم. فإن قيل: كيف ترادفت هذه الفاءات؟ أجيب: بأن قوله تعالى: {فما أغنى عنهم} نتيجة قوله تعالى: {كانوا أكثر منهم} وأما قوله تعالى: {فلما جاءتهم رسلهم} فجار مجرى البيان والتفسير لقوله تعالى: {فما أغنى عنهم} كقولك رزق زيد المال فمنع المعروف فلم يحسن إلى الفقراء وقوله تعالى {فلما رأوا بأسنا} تابع لقوله تعالى: {فلما جاءتهم} كأنه قال: فكفروا فلما رأوا بأسنا آمنوا فكذلك فلم يك ينفعهم إيمانهم تابع لإيمانهم لما رأوا بأس الله تعالى، وقوله تعالى: {سنت الله} أي: الملك الأعظم، يجوز انتصابها على المصدر المؤكد لمضمون الجملة أي: الذي فعله الله تعالى بهم سنة سابقة من الله تعالى ويجوز انتصابها على التحذير أي: احذروا سنة الله تعالى في المكذبين {التي قد خلت في عباده} وتلك السنة أنهم إذا عاينوا العذاب آمنوا ولم ينفعهم إيمانهم.

فائدة: رسمت سنة بتاء مجرورة ووقف عليها ابن كثير وأبو عمرو

<<  <  ج: ص:  >  >>