للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سبيل إلى الوصول إليها لتفقه أصلاً، فإن قيل: هلا قالوا على قلوبنا أكنة كما قالوا: {وفي آذاننا} أي: التي نسمع بها وهي أحد الطرق الموصلة إلى القلوب {وقر} أي: ثقل قد أصمها عن سماعه ليكون على نمط واحد؟ أجيب: بأنه على نمط واحد لأنه لا فرق في المعنى بين قولك قلوبنا في أكنة وعلى قلوبنا أكنة، والدليل عليه قوله تعالى: {إنا جعلنا على قلوبهم أكنة} (الكهف: ٥٧)

ولو قيل: إنا جعلنا قلوبهم في أكنة لم يختلف المعنى، والمعنى: إنا في ترك القبول عنك بمنزلة من لا يفهم ولا يسمع {ومن بيننا وبينك حجاب} أي: حاجز من جبل أو نحوه فلا تلاقي ولا ترائي {فاعمل} أي: على دينك {إننا عاملون} على ديننا أو فاعمل في إبطال أمرنا إننا عاملون في إبطال أمرك، فإن قيل: هل لزيادة من في قولهم من بيننا وبينك حجاب فائدة؟ أجيب: بنعم لأنهم لو قالوا وبيننا وبينك حجاب لكان المعنى أن حجاباً حاصل وسط بين الجهتين، وإما بزيادة من، فالمعنى أن الحجاب ابتداء منا وابتداء منك فالمسافة المتوسطة لجهتنا وجهتك كلها مستوعبة بالحجاب لا فراغ فيها.

ولما أخبروا بإعراضهم وعللوا بعدم فهمهم لما يدعو إليه أمر الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بجواب يبين أنهم على محض العناد فقال تعالى:

{قل} أي: لهؤلاء الذين عجزوا عن رد شيء من أمرك بشيء يقبله ذو عقل فادعوا ما ينادى عليهم بالعجز {إنما أنا بشر مثلكم} أي: لست غير بشر مما لا يرى كالملك والجني بل واحد منكم والبشر يرى بعضهم بعضاً ويسمعه ويبصره فلا وجه لما تقولونه أصلاً {يوحى إلي} أي: بطريق تخفى عليكم ولولا الوحي ما دعوتكم {أنما إلهكم} أي: الذي يستحق العبادة {إله واحد} لا غير واحد، وهذا ما دلت عليه الفطرة الأولى السوية وقامت عليه الأدلة العقلية وأيدتها في كل عصر الطرق النقلية وانعقد عليه الإجماع في أوقات الضرورة النفسانية، قال الحسن: علمه الله تعالى التواضع.

ولما قطع حجتهم وأزال علتهم تسبب عن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم {فاستقيموا إليه} أي: غير معوجين أصلاً على نوع شرك بشفيع ولا غيره، وعدى بإلى لتضمنه معنى توجهوا والمعنى: وجهوا استقامتكم إليه بطاعته ولا تميلوا عن سبيله {واستغفروه} أي: اطلبوا منه غفران ذنوبكم وهو محوها عيناً وأثراً حتى لا تعاقبوا عليها ولا تعاتبوا بالندم عليها والإقلاع عنها حالاً ومآلاً، ثم هدد على ذلك فقال: {وويل} كلمة عذاب أو واد في جهنم {للمشركين} أي: من فرط جهالتهم واستخفافهم بالله تعالى.

{الذين لا يؤتون الزكاة} أي: لبخلهم وعدم إشفاقهم على الخلق وذلك من أعظم الرذائل {وهم بالآخرة} أي: الحياة التي بعد هذه ولا بعد لها {هم كافرون} واحتج من قال إنّ الكفار مخاطبون بفروع الشريعة بهذه الآية فقالوا: إن الله تعالى توعدهم بأمرين أحدهما: كونهم مشركين والثاني: لا يؤتون الزكاة، فوجب أن يكون لكل واحد من هذين تأثير في حصول الوعيد وذلك يدل على أن لعدم إيتاء الزكاة مع الشرك تأثيراً عظيماً في زيادة الوعيد وهو المطلوب، فإن قيل: لِمَ خص تعالى من أوصاف المشركين منع الزكاة مقروناً بالكفر بالآخرة؟ أجيب: بأن أحب شيء إلى الإنسان ماله وهو شقيق روحه فإذا بذله في سبيل الله فذلك أقوى دليل على ثباته واستقامته

<<  <  ج: ص:  >  >>