وصدق نيته ونصوح طويته ألا ترى قوله تعالى:{ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتاً من أنفسهم}(البقرة: ٢٦٥)
أي: يثبتون أنفسهم ويدلون على ثباتها بإنفاق الأموال وما خدع المؤلفة قلوبهم إلا بلمظة من الدنيا فقرت عصبيتهم ولانت شكيمتهم، وأهل الردة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تظاهروا إلا بمنع الزكاة فنصبت لهم الحروب وجوهدوا، وفيه بعث للمؤمنين على أداء الزكاة وتخويف شديد في منعها، حيث جعل المنع من أوصاف المشركين وقرن بالكفر بالآخرة، وقال ابن عباس: هم الذين لا يقولون لا إله إلا الله وهي زكاة الأنفس، والمعنى: لا يطهرون أنفسهم من الشرك بالتوحيد، وقال الحسن وقتادة: لا يقرون بالزكاة ولا يرون إيتاءها واجباً وكان يقال: الزكاة قنطرة الإسلام فمن قطعها نجا ومن تخلف عنها هلك.
وقال الضحاك ومقاتل: لا ينفقون في الطاعة ولا يتصدقون، وقال مجاهد: لا يزكون أعمالهم.
ولما ذكر تعالى ما للجاهلين وعيداً وتحذيراً ذكر ما لأضدادهم وعداً وتبشيراً فقال تعالى مجيباً لمن تشوق لذلك مؤكداً لإنكار من ينكره:
{إن الذين آمنوا} أي: بما آتاهم الله تعالى من العلم النافع {وعملوا الصالحات} من الزكاة وغيرها من أنواع الطاعات {لهم أجر} أي: عظيم {غير ممنون} أي: غير مقطوع جزاء على سماحهم بالفاني اليسير من أموالهم في الزكاة وغيرها وما أمر الله تعالى من أقوالهم وأفعالهم في الآخرة والدنيا، والممنون المقطوع من مننت الحبل إذا قطعته ومنه قولهم قد منّه السفر أي: قطعه، وقال مقاتل: غير منقوص، ومنه المنون لأنه ينقص من الإنسان وقوته، وأنشدوا لذي الإصبع العدواني:
*إني لعمرك ما بابي بذي غلق ... على الصديق ولا أجري بممنون*
وقيل: غير ممنون به عليهم لأن عطاء الله تعالى لا يمن به إنما يمن المخلوق، وقال السدي: نزلت في المرضى والزمنى إذا عجزوا عن الطاعة كتب لهم الأجر كما صح ما كانوا يعملون فيه، روى عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ثم مرض قيل للملك الموكل به: اكتب له مثل عمله إذا كان طليقاً حتى أطلقه أو ألفته إلي» .
ولما ذكر سبحانه وتعالى سفههم في كفرهم بالآخرة، شرع في ذكر الأدلة على قدرته عليها وعلى كل ما يريد كخلق الأكوان وما فيها الشامل لهم ولمعبوداتهم من الجمادات وغيرها الدال على أنه واحد لا شريك له، فقال منكراً عليهم ومقرراً بالوصف لأنهم كانوا عالمين بأصل الخلق:
{قل} يا أشرف الرسل لمن أنكر الخلق منكراً عليه بقولك: {أئنكم} وأكد لإنكارهم التصريح بما يلزمهم من الكفر بقوله تعالى: {لتكفرون} أي: توجدون حقيقة الستر لأنوار العقول الظاهرة {بالذي خلق الأرض} أي: على سعتها وعظمها من العدم {في يومين} فتنكرون قدرته على إعادة ما خلقه منها ابتداء مع اعترافكم بأنه ابتدأ خلقها وخلق ذلك منها وهذان اليومان الأحد والاثنين كما قاله ابن عباس وعبد الله بن سلام، قال ابن الجوزي والأكثرون قال ابن عباس: إن الله خلق يوماً فسماه الأحد ثم خلق ثانياً فسماه الاثنين ثم خلق ثالثاً فسماه الثلاثاء ثم خلق رابعاً فسماه الأربعاء ثم خلق خامساً فسماه الخميس، فخلق الله الأرض في يوم