للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإنكاراً عليهم {أشهدوا} أي: أحضروا {خلقهم} أي: خلقي إياهم فشاهدوهم إناثاً فإن ذلك مما يعلم بالمشاهدة، وقرأ نافع بهمزتين الأولى مفتوحة والثانية مضمومة مسهلة كالواو وسكون الشين، وأدخل قالون بينهما ألفاً ولم يدخل ورش والباقون بهمزة واحدة مفتوحة وفتح الشين.

{ستكتب} بكتابة من وكلناهم بهم من الحفظة الذين لا يعصوننا فنحن نقدرهم على جميع ما نأمرهم به {شهادتهم} أي: قولهم فيهم أنهم إناث الذي لا ينبغي أن يكون إلا بعد تمام المشاهدة فهو قول ركيك سخيف ضعيف كما أشار إليه التأنيث {ويسألون} عنها عند الرجوع إلينا، قال الكلبي ومقاتل: «لما قالوا هذا القول سألهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ما يدريكم أنهم إناث؟ قالوا: سمعنا من آبائنا ونحن نشهد أنهم لم يكذبوا فقال تعالى {ستكتب شهادتهم ويسألون} عنها في الآخرة هذا يدل على أن القول بغير دليل منكر وأن التقليد حرام يوجب الذم العظيم قال المحققون: هؤلاء الكفار كفروا في هذا القول من ثلاثة أوجه؛ أولها: إثبات الولد ثانيها: أن ذلك الولد بنت ثالثها: الحكم على الملائكة بالأنوثة.

تنبيه: قال البقاعي: يجوز أن يكون في السين استعطاف التوبة قبل كتابة ما قالوا ولا علم لهم به فإنه قد روى أبو أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كاتب الحسنات على يمين الرجل وكاتب السيئات على يسار الرجل، وكاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات، فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشراً وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال: دعه سبع ساعات لعله يسبح الله أو يستغفر» . ثم نبه سبحانه على أنهم عبدوهم مع ادعاء الأنوثة فيهم فقال تعالى معجباً منهم في ذلك وفي جعل قولهم حجة دالة على صحة مذهبهم وهو من أوهى الشبه:

{وقالوا} أي: بعد عبادتهم لهم ونهيهم عن عبادة غير الله تعالى {لو شاء الرحمن} أي: الذي له عموم الرحمة {ما عبدناهم} أي: الملائكة فعبادتنا إياهم بمشيئته فهو راض بها ولولا أنه راض بها لعجل لنا العقوبة، فاستدلوا بنفي مشيئة عدم العبادة على الرضا بها وذلك باطل لأن المشيئة ترجيح بعض الممكنات على بعض، مأموراً كان أو منهياً حسناً كان أو غيره ولذلك جهلهم فقال تعالى: {ما لهم بذلك} أي: المقول من الرضا بعبادتها {من علم إن} أي: {هم إلا يخرصون} أي: يكذبون في هذه النتيجة التي زعموا أنها دلتهم على رضا الله تعالى بكفرهم فيترتب عليهم العقاب.

ولما بين تعالى بطلان قولهم بالعقل أتبعه بطلان قولهم بالنقل فقال تعالى:

{أم آتيناهم} أي: على ما لنا من العظمة {كتاباً} أي: جامعاً لما يريدون اعتقاده من أقوالهم هذه {من قبله} أي: القرآن أخبرناهم فيه أنا جعلنا الملائكة إناثاً وأنا لا نشاء إلا ما هو حق نرضاه ونأمر به {فهم به} أي: فتسبب عن هذا الإتيان أنهم به وحده {مستمسكون} أي: موجدون الاستمساك به فيأخذون بما فيه، لم يقع ذلك.

ولما بين تعالى أنه لا دليل على صحة قولهم البتة لا من العقل ولا من النقل، بين أنه لا حامل لهم يحملهم عليه إلا التقليد بقوله تعالى:

{بل قالوا إنا وجدنا آباءنا} أي: وهم أرجح منا عقولاً وأصح منا إفهاماً {على أمة} أي: طريقة عظيمة يحق لها أن تقصد وتؤم ثم أكدوا قطعاً الرجاء المخالف عن لفتهم عن ذلك فقالوا {وإنا على آثارهم} أي: خاصة لا غيرها {مهتدون} أي: متبعون فلم نأت بشيء من عند أنفسنا ولا غلطنا في الاتباع

<<  <  ج: ص:  >  >>