واقتفاء الآثار فلا اعتراض علينا بوجه هذا قولهم في الدين بل في أصوله التي من ضل في شيء منها هلك ولو ظهر لأحد منهم خلل في سعي أبيه الدنيوي الذي به يحصل الدينار والدرهم ما اقتدى به أصلاً وخالفه أيَّ مخالفة ما هذا إلا قصور نظر ومحض عناد ثم أخبر تعالى أن غيرهم قال هذه المقالة بقوله سبحانه:
{وكذلك} أي: ومثل هذه المقالة المتناهية في البشاعة فعلت الأمم الماضية مع إخوانك الأنبياء عليهم السلام ثم فسر ذلك بقوله تعالى: {ما أرسلنا} أي: مع ما لنا من العظمة {من قبلك} أي: في الأزمنة السالفة {في قرية} وأغرق في النفي بقوله تعالى: {من نذير} وبين به أن موضع الكراهة والخلاف الإنذار على مخالفة الأهواء {إلا قال مترفوها} أي: أهل الترفه بالضم وهي النعمة والطعام الطيب والشيء الظريف يكون خاصاً بالمترف وذلك موجب لقلة الهم وللراحة والبطالة {إنا وجدنا آباءنا} أي: وهم أعرف منا بالأمور {على أمة} أي: أمر جامع يستحق أن يقصد ويؤم ثم أكدوا كما أكد هؤلاء فقالوا: {وإنا على آثارهم} أي: لا على غيرها {مقتدون} أي: راكبون سنن طريقتهم لازمون لها ففي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم
{قل} أي: يا أفضل الخلق لهؤلاء البعداء البغضاء {أولو} أي: أتبغون ذلك ولو {جئتم بأهدى} أي: بأمر أعظم في الهداية وأوضح في الدلالة {مما وجدتم} أي: أيها المقتدون بالآباء {عليه آباءكم} أي: كما تضمن قولكم أنكم تقتفون في اتباعكم بالآثار في أعظم الأشياء وهو الدين الذي الخسارة فيه خسارة للنفس وأنتم تخالفونهم في أمر نفس الدنيا إذا وجدتم طريقاً أهدى في التصرف فيها من طريقتهم ولو أمراً يسيراً، ويفتخر أحدكم بأنه أدرك من ذلك ما لم يدرك أبوه فحصل من المال أكثر مما حصل فيا له من نظر ما أقصره ومتجر ما أخسره، وقرأ ابن عامر وحفص: قال بصيغة الماضي أي: قال المنذر أو الرسول وهو النبي صلى الله عليه وسلم والباقون: قل بصيغة الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم ثم أجابوه بأن {قالوا} مؤكدين رداً لما قطع به كل عاقل سمع هذا الكلام من أنهم يبادرون النظر في الدليل والرجوع إلى سواء السبيل {إنا بما أرسلتم به} أي: أنت ومن قبلك {كافرون} أي: ساترون لما ظهر من ذلك جهدنا حتى لا يظهر لأحد ولا يتبعكم فيه مخلوق وإن كان أهدى مما كان عليه آباؤنا فعند هذا لم يبق لهم عذر فلهذا قال تعالى:
{فانتقمنا} أي: بما لنا من العظمة التي استحقوا بها {منهم} فأهلكناهم بعذاب الاستئصال ثم عظم أمر النقمة بالأمر بالنظر فيها في قوله: {فانظر} يا أفضل الرسل {كيف كان عاقبة} أي: آخر أمر {المكذبين} لرسلنا فإنهم أهلكوا أجمعون ونجا المؤمنون أجمعون فليحذر من رد رسالتك من مثل ذلك، وهذا تهديد عظيم لكفار قريش. ثم بين تعالى وجهاً آخر يدل على فساد التقليد بقوله تعالى:
{وإذ} أي: واذكر يا أفضل الخلق إذ {قال إبراهيم} أي: الذي هو أعظم آبائهم ومحط فخرهم والمجمع على محبته وحقية دينه منهم ومن أهل الكتاب وغيرهم {لأبيه} من غير أن يقلده كما قلدتم أنتم آباءكم {وقومه} الذين كانوا هم القوم في الحقيقة لاحتوائهم على ملك جميع الأرض {إنني براء} أي: بريء {مما تعبدون} أي: في الحال والاستقبال.