أي: تطلبون الترفع وتوجدونه على الاستمرار {في الأرض} التي هي لكونها تراباً وموضوعة على الزوال والخراب أحق شيء بالتواضع والذل والهوان {بغير الحق} أي: الأمر الذي يطابقه الواقع، وهو أوامرنا ونواهينا {وبما كنتم} أي: على الاستمرار {تفسقون} أي: بسبب الاستكبار الباطل، والفسوق عن طاعة الله تعالى.
تنبيه: دلت الآية على أنّ الكفار مخاطبون بفروع الشريعة لأنّ الله تعالى علل عذابهم بأمرين؛ أولهما: الكفر. وثانيهما: الفسق وهذا الفسق لا بدّ وأن يكون مغايراً لذلك الكفر، لأنّ العطف يوجب المغايرة فثبت أنّ فسق الكفار يوجب العقاب في حقهم ولا معنى للفسق إلا ترك المأمورات وفعل المنهيات.
ولما كان قوم عاد أكثر أموالاً وقوة وجاهاً من أهل مكة، ذكر تعالى قصتهم ليعتبروا، فيتركوا الاغترار بما وجدوه في الدنيا. فقال عز من قائل:
{واذكر} يا أشرف الرسل، لهؤلاء الذين لا يتعظون {أخا عاد} وهو أخوك هود عليه السلام، الذي كان بين قوم أشدّ من قومك، ولم يخف عاقبتهم وأمرهم ونهاهم ونجيناه منهم فهو لك قدوة، وفيه أسوة، ولقومك في قصدهم إياك بالأذى من أمره موعظة. وقوله تعالى:{إذ أنذر} بدل اشتمال من {أخا}{قومه} أي: الذين لهم قوة على القيام فيما يحاولونه. {بالأحقاف} قال ابن عباس: واديين عمان ومهرة، وقال مقاتل: كانت منازل عاد باليمن في حضرموت بموضع يقال له: مهرة إليها تنسب الإبل المهرية. وكانوا أهل عمد سيارة في الربيع، فإذا هاج العود رجعوا إلى منازلهم. وكانوا من قبيلة إرم قال قتادة: ذكر لنا: أن عاداً كانوا حياً من اليمن، كانوا أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها الشحر.
{وقد} أي: والحال أنّه قد {خلت النذر} أي: مرّت ومضت الرسل الكثيرون {من بين يديه} أي: قبل هود، كنوح وشيث وآدم عليهم السلام {ومن خلفه} أي: بعده والمعنى؛ أنّ الرسل الذين بعثوا قبله، والذين سيبعثون بعده كلهم منذرون نحو إنذاره، والجملة حال، أو اعتراض. ولما أشار إلى كثرة الرسل، ذكر وحدتهم في أصل الدعاء، فقال مفسراً للإنذار معبراً بالنهي {أن لا تعبدوا} أي: أيها العباد المنذرون، بوجه من الوجوه شيئاً من الأشياء {إلا الله} أي: الملك الذي لا ملك غيره، ولا خالق سواه، ولا منعم إلا هو فإني أراكم تشركون به من لم يشركه في شيء من تدبيركم والملك لا يقرّ على مثل هذا {إني أخاف عليكم} لكونكم قومي، وأعز الناس عليّ {عذاب يوم عظيم} أي لا يدع جهة إلا ملأها عذابه إن أصررتم على ما أنتم فيه من الشرك.
{قالوا} له في جوابه منكرين عليه {أجئتنا} أي: يا هود، {لتأفكنا} أي: لتصرفنا عن وجه أمرنا إلى قفاه {عن آلهتنا} فلا نعبدها، ولا نعتد بها {فأتنا بما تعدنا} من العذاب؛ سموا الوعيد وعداً {إن كنت} أي: يقال عنك كوناً ثابتاً {من الصادقين} في أنك رسول من الله، وأنه يأتينا بما تخافه علينا من العذاب إن أصررنا.I
{قال} أي هود مكذباً لهم في نسبتهم إليه ادعاء شيء من ذلك: {إنما العلم} أي: المحيط بكل شيء، عذابكم وغيره. {عند الله} أي: المحيط بجميع صفات الكمال، فهو ينزل علم ما توعدون به على من يشاء إن شاء. ولا علم لي إلى الآن، ولا لكم بشيء من ذلك ولا قدرة، {وأبلغكم} أي: في الحال والاستقبال وقرأ أبو عمرو بسكون الباء الموحدة وتخفيف اللام والباقون: بفتح الموحدة وتشديد اللام.