المؤمن لكان إتيان المؤمن بما أتى به من الإيمان والعبادة غير مفيد وهذا معنى قوله تعالى: {لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة} (الحشر: ٢٠)
ويحتمل أن يكون المراد التعميم وهذا أظهر. وقوله تعالى لجهنم أي التي هي دار العذاب مع الكراهة والعبوسة والتجهم {هل امتلأت} استفهام تحقيق لوعده عليها وهو قوله تعالى {لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} (هود: ١١٩)
{وتقول} بصورة الاستفهام كالسؤال {هل من مزيد} أي: قد امتلأت ولم يبق فيّ موضع لم يمتلئ فهو استفهام إنكار. وقيل بمعنى الاستزادة رواه أبو صالح عن ابن عباس رضى الله عنهما وعلى هذا يكون السؤال وهو قوله تعالى هل امتلأت قبل دخول جميع أهلها فيها.
وروي عن ابن عباس رضى الله عنهما «أنّ الله تعالى سبقت كلمته لأملأنّ جهنم من الجنة والناس أجمعين فلما سيق أعداء الله إليها لا يلقى فيها فوج إلا ذهب فيها ولا يملؤها فتقول ألست قد أقسمت لتملأني فيضع قدمه عليها فيقول هل امتلأت فتقول هل من مزيد قط قط قد امتلأت وليس فيّ مزيد» وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العرش وفي رواية رب العزة فيها قدمه فيزوى بعضها إلى بعض وتقول: قط قط بعد ذلك ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشىء الله تعالى لها خلقاً فيسكنهم فضول الجنة» ولأبي هريرة رضى الله عنه نحوه ولا يظلم الله تعالى من خلقه أحداً.
تنبيه: هذا الحديث من مشاهير أحاديث الصفات وللعلماء فيه وفي أمثاله مذهبان:
أحدهما: وهو مذهب جمهور السلف وطائفة من المتكلمين أنه لا يتكلم في تأويلها بل نفوّض بأنها حق على ما أراد الله ورسوله ونجريها على ظاهرها أولها معنىً يليق بها وظاهرها غير مراد.
المذهب الثاني: وهو قول جمهور المتكلمين أنها تؤوّل بحسب ما يليق بها فعلى هذا اختلفوا في تأويل الحديث فقيل المراد بالقدم التقدّم وهو شائع في اللغة والمعنى يضع الله تعالى فيها من قدمه لها من أهل العذاب. وقيل: المراد به قدم بعض المخلوقين فيعود الضمير في قدمه إلى ذلك المخلوق المعلوم. وقيل: يحتمل أن في المخلوقات من يسمى بهذه التسمية وخلقوا لها. قال القاضي عياض أظهر التأويلات أنهم استحقوها وخلقوا لها.
قال المتكلمون: ولا بدّ من صرفه عن ظاهره لقيام الدليل العقلي القطعي على استحالة الجارحة على الله تعالى وقولها قط قط أي حسبي حسبي قد اكتفيت وفيها ثلاث لغات إسكان الطاء وكسرها منوّنة وغير منوّنة ولما ذكر النار التي هي دار الفجار وقدّمها لأنّ المقام للإنذار اتبعها دار الأبرار.
فقال تعالى سارّاً لهم بإسقاط مؤنة المسير وطي مشقة البعد.
{وأزلفت الجنة} أي: قربت بأيسر أمر مع الدرجات والحياض الممتلئة {للمتقين} أي: الغريقين في هذا الوصف فإذا رأوها تسابقوا إليها وتركوا ما كانوا فيه في الموقف من منابر النور وكثبان المسك ونحو هذا. وأما غيرهم من أهل الإيمان فقد يكون لهم غير هذا الوصف فيساق إليها الذين اتقوا كما مضى في الزمر. وقوله تعالى: {غير بعيد} يجوز أن يكون حالاً من الجنة ولم يؤنث لأنها بمعنى البستان أو لأنّ فعيلاً لا يؤنث لأنه بزنة المصادر قاله الزمخشري. ومنعه أبو حيان وتقدّم الكلام على ذلك في قوله تعالى: {إن رحمة الله قريب من المحسنين} (الأعراف: ٥٦)
ويجوز أن يكون منصوباً على الظرف المكاني أي مكاناً غير بعيد ويجوز أن يكون نعتاً لمصدر محذوف