أي إزلافاً غير بعيد وظاهر عبارة الزمخشري فإنه قال أو شيئاً غير بعيد فإن قيل: ما وجه التقريب والجنة مكان والأمكنة يقرب منها وهي لا تقرب. أجيب: من أوجه. أوّلها: أنّ الجنة لا تزال ولا يؤمر المؤمن في ذلك اليوم بالانتقام إليها مع بعدها لكن الله تعالى يطوي المسافة التي بين المؤمن والجنة فهو التقريب.
فإن قيل: فعلى هذا ليس إزلاف الجنة من المؤمن بأولى من إزلاف المؤمن من الجنة فما فائدة قوله تعالى: {أزلفت الجنة} أجيب بأن ذلك إكرام للمؤمن وبيان لشرفه وأنه ممن يمشي إليه ثانيها: قريب من الحصول في الدخول لا بمعنى القرب المكاني. ثالثها: أنّ الله تعالى قادر على نقل الجنة من السماء إلى الأرض فيقربها للمؤمن. ويحتمل أنها أزلفت بمعنى جمعت محاسنها لأنها مخلوقة وأما بمعنى قرب الحصول لها لأنها تنال بكلمة طيبة وحسنة وخص المتقين بذلك لأنهم أحق بها.
وقوله تعالى:{هذا} أي: الإزلاف والذي ترونه من كل ما يسركم {ما} أي: الأمر الذي {توعدون} أي: وقع الوعد لكم به في الدنيا يجوز فيه وجهان.
أحدهما: أن يكون معترضاً بين البدل والمبدل منه وذلك أنّ {لكل أوّاب} أي: رجاع إلى طاعة الله تعالى بدل من المتقين بإعادة العامل.
ثانيهما: أن يكون منصوباً بقول مضمر ذلك القول منصوب على الحال أي مقولاً لهم. وقرأ ابن كثير: بالياء على الغيبة. والباقون: بالتاء على الخطاب ونسب أبو حيان قراءة الياء لابن كثير ولأبي عمرو وإنما هي لابن كثير فقط. وقال سعيد بن المسيب: الأوّاب هو الذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب. وقال الشعبيّ ومجاهد هو الذي يذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر منها. وقال ابن عباس رضى الله عنهما وعطاء: هو المسبح من قوله تعالى {يا جبال أوّبي معه}(سبأ: ١٠)
وقال قتادة: هو المصلي. وقوله تعالى {حفيظ} اختلف فيه. فقال ابن عباس رضى الله عنهما: هو الذي يحفظ ذنوبه حتى يرجع عنها ويستغفر منها. وعن ابن عباس رضى الله عنهما أيضاً: الحفيظ لأمر الله. وقال قتادة: الحفيظ لما استودعه الله تعالى من حقه. والأوّاب والحفيظ كلاهما من باب المبالغة أي يكون كثير الأوب شديد الحفظ ثم أبدل من كلٍ تنميماً لبيان المتقين قوله تعالى:
{من خشي} أي: خاف ونبه على كثرة خشيته بقوله تعالى: {الرحمن} لأنه إذا خافه مع استحضار الرحمة العامة للمطيع والعاصي كان خوفه مع استحضار غيرها أولى وقال القشيري: التعبير بذلك للإشارة إلى أنها خشية تكون مقرونة بالأنس يعني الرجاء كما هو المشروع، قال: ولذلك لم يقل الجبار أو القهار. ويقال الخشية ألطف من الخوف فكأنها قريبة من الهيبة وقوله تعالى:{بالغيب} حال أي غائباً عنه فيحتمل أن يكون حالاً من الفاعل أو المفعول أو منهما. وقيل الباء للمصاحبة أي مصاحب له من غير أن يطلب آية أو أمراً يصير به إلى حد المكاشفة بل استغنى بالبراهين القطيعة التي منها أنه مربوب وهو أيضاً بيان لبليغ خشيته ويجوز أن يكون صفة لمصدر خشى أي خشيه خشية ملتبسة بالغيب ومعنى الآية من خاف الرحمن فأطاعه بالغيب ولم يره.
وقال الضحاك والسدي: يعني في الخلوة حيث لا يراه أحد. وقال الحسن: إذا أرخى الستور وأغلق الباب. وقوله تعالى {وجاء} أي: بعد الموت {بقلب منيب} أي: راجع إلى الله تعالى صفة مدح لأنّ شأن الخائف أن يهرب فأما المتقي فجاء ربه لعلمه أنه