للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجزاء الأوفى يليق بالمؤمنين الصالحين، لأنّ جزاء الطالح وافر قال تعالى: {فإنّ جهنم جزاؤكم جزاء موفوراً} (الإسراء: ٦٣)

وذلك أن جهنم ضررها أكثر من نفع الآثام فهي في نفسها أوفر.

{وأنّ إلى ربك} أي: المحسن إليك لا إلى غيره {المنتهى} أي: الانتهاء برجوع الخلائق ومصيرهم إليه فيجازيهم بأعمالهم وقيل: منه ابتداء المنة وإليه انتهاء الآمال، وروى أبو هريرة مرفوعاً «تفكروا في الخلق ولا تتفكروا في الخالق فإنّ الله تعالى لا يحيط به الفكر» وفي رواية «لا تتفكروا في الله فإنكم لن تقدروا قدره» قال القرطبي: ومن هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم «يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا من خلق كذا حتى يقول له من خلق ربك فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله تعالى» ولقد أحسن من قال:

*ولا تفكرن في ذي العلا عز وجهه ... فإنك تردى إن فعلت وتخذل*

*ودونك مخلوقاته فاعتبر بها ... وقل مثل ما قال الخليل المبجل*

وقيل: المراد من الآية التوحيد وفي المخاطب وجهان: أحدهما: أنه عام تقديره إلى ربك أيها السامع أو العاقل والثاني: أنه خطاب مع النبيّ صلى الله عليه وسلم فعلى الأول يكون تهديداً وعلى الثاني يكون تسلية لقلب النبيّ صلى الله عليه وسلم فعلى الأول تكون اللام في المنتهى للعهد المعهود في القران وعلى الثاني تكون للعموم أي إلى ربك كل منتهى.

وقوله تعالى: {وأنه هو} أي: لا غيره {أضحك وأبكى} يدل على أنّ كل ما يعمله الإنسان فبقضاء الله تعالى وخلقه حتى الضحك والبكاء، وروي أنه صلى الله عليه وسلم مر على قوم من أصحابه وهم يضحكون فقال صلى الله عليه وسلم «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً» فنزل عليه جبريل عليه السلام فقال يا محمد إنّ الله يقول لك: {وأنه هو أضحك وأبكى} أي: قضى أسبابهما فرجع إليهم صلى الله عليه وسلم فقال ما خطوت أربعين خطوة حتى أتاني جبريل فقال: ائت هؤلاء فقل لهم إن الله تعالى يقول: {هو أضحك وأبكى} أي قضى أسباب الضحك والبكاء وقال بسام بن عبد الله أضحك أسنانهم وأبكى قلوبهم وأنشد يقول:

*السنّ تضحك والأحشاء تحترق ... وإنما ضحكها زور ومختلق*

*يا رب باك بعين لا دموع لها ... ورب ضاحك سنّ ما به رمق*

وقال مجاهد والكلبي أضحك أهل الجنة في الجنة وأبكى أهل النار في النار، وقال الضحاك: أضحك الأرض بالنبات وأبكى السماء بالمطر وقال عطاء بن أبي مسلم: يعني أفرح وأحزن لأنّ الفرح يجلب الضحك، والحزن يجلب البكاء وقيل: إنّ الله تعالى خص الإنسان بالضحك والبكاء من سائر الحيوان وقيل: القرد وحده يضحك ولا يبكي وإنّ الإبل وحدها تبكي ولا تضحك وقال يونس بن الحسين: سئل طاهر المقدسي أتضحك الملائكة؟ فقال: ما ضحكوا ولا كل من دون العرش منذ خلقت جهنم وعن عائشة قالت: «لا والله ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قط إن الميت يعذب ببكاء أحد ولكنه قال إنّ الكافر يزيده الله ببكاء أهله عذاباً وإنّ الله تعالى هو أضحك وأبكى» .

تنبيه: قوله تعالى: {وأنه هو أضحك وأبكى} وما بعده يسميه البيانيون الطباق المتضادّ

<<  <  ج: ص:  >  >>