وهو نوع من البديع، وهو: أن يذكر ضدّان أو نقيضان أو متنافيان بوجه من الوجوه، وأضحك وأبكى لا مفعول لهما في هذا الموضع لأنهما سيقا لقدرة الله تعالى لا لبيان المقدور فلا حاجة إلى المفعول كقول القائل: فلان بيده الأخذ والعطاء يعطي ويمنع، ولا يريد ممنوعاً ومعطى واختار هذين الموضعين المذكورين لأنهما أمران لا يعللان فلا يقدر أحد من الطبائعيين يبين لاختصاص الإنسان بالضحك والبكاء وجهاً ولا سبباً، وإذا لم يعلل بأمر فلا بدّ له من موجد وهو الله تعالى بخلاف الصحة والسقم فإنهم يقولون: سببهما اختلال المزاج وخروجه عن الاعتدال ومما يدل على ذلك أنهم إذا عللوا الضحك قالوا: لقوّة التعجب وهو باطل، لأنّ الإنسان ربما بهت عند رؤية الأمور العجيبة ولا يضحك وقيل: لقوّة الفرح وليس كذلك لأنّ الإنسان قد يبكي لقوّة الفرح كما قال بعضهم:
*هجم السرور على حتى أنه ... من عظم ما قد سرني أبكاني*
{وأنه هو} أي: لا غيره {أمات وأحيا} وإن رأيتم أسباباً ظاهرة فإنها لا عبرة بها في نفس الأمر بل هو الذي خلقها أي أمات في الدنيا وأحيا في البعث وقال القرطبي: قضى أسباب الموت والحياة وقيل: أمات الآباء وأحيا الأبناء وقيل: أمات الكافر بالكفر وأحيا المؤمن بالإيمان.
{س٥٣ش٤٥/ش٥٥ وَأَنَّهُ? خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَا?نثَى * مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى * وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ ا?خْرَى * وَأَنَّهُ? هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى * وَأَنَّهُ? هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى * وَأَنَّهُ?? أَهْلَكَ عَادًا ا?ولَى * وَثَمُودَا? فَمَآ أَبْقَى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ? إِنَّهُمْ كَانُوا? هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى * وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّـ?ـاهَا مَا غَشَّى * فَبِأَىِّءَا?ءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى}
{وأنه خلق الزوجين} ثم فسرهما بقوله تعالى: {الذكر والأنثى} فإنه لو كان ذلك في يد غيره لمنع البنات لأنها مكروهة لغالب الناس.
وقوله تعالى: {من نطفة إذا تمنى} أي: تصب يشمل سائر الحيوانات لا أن ذلك مختص بآدم وحوّاء عليهما السلام، لأنهما ما خلقا من نطفة، وهذا أيضاً تنبيه على كمال القدرة لأنّ النطفة جسم متناسب الأجزاء ويخلق الله تعالى منها أعضاء مختلفة وطباعاً متباينة، وخلق الذكر والأنثى منها أعجب ما يكون ولهذا لم يقدر أحد على أن يدعي خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم قال تعالى: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنّ الله} (الزخرف: ٨٧)
وقال تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولنّ الله} (لقمان: ٢٥)
فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى: {وأنه خلق} ولم يقل وأنه هو خلق كما قال تعالى: {وأنه هو أضحك وأبكى} أجيب بأن الضحك والبكاء ربما يتوهم أنهما بفعل الإنسان، والإماتة والإحياء وإن كان ذلك التوهم أبعد فيهما لكن ربما يقول به جاهل كما قال من حاج إبراهيم عليه السلام أنا أحيي وأميت فأكد ذلك بالفصل، وأما خلق الذكر والأنثى من النطفة فلا يتوهم أحد أنه بخلق أحد من الناس فلم يؤكد بالفصل ألا ترى إلى قوله تعالى: {وأنه هو أغنى وأقنى} (النجم: ٤٨)
حيث كان الإغناء عندهم غير مستند إلى الله تعالى، وكان في معتقدهم أن ذلك بفعلهم كما قال قارون: {إنما أوتيته على علم عندي} (القصص: ٧٨)
ولذلك قال: {هو رب الشعرى} (النجم: ٤٩)
فأكد في مواضع استبعادهم إلى الإسناد ولم يؤكد في غيره.
{وأن عليه} أي: خاصاً به علماً وقدرة {النشأة} أي الحياة {الأخرى} للبعث يوم القيامة بعد الحياة الأولى فإن قيل: الإعادة لا تجب على الله تعالى فما معنى عليه؟ أجيب: بأنه عليه بحكم الوعد فإنه قال: {إنا نحن نحيي الموتى} (يس: ١٢)
فعليه بحكم الوعد لا بالعقل ولا بالشرع، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الشين وبعدها ألف ممدودة قبل الهمزة والباقون بسكون الشين وبعدها الهمزة المفتوحة وإذا وقف حمزة نقل حركة