للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{قد قدرِ} أي: قضى أي في الأزل وهو هلاكهم غرقاً بماء مقدّر لا يزيد قطرة ولا يهلك غير من أمرناه بإهلاكهم.

{وحملناه} أي: نوحاً عليه السلام تتميماً لانتصاره {على ذات} أي: سفينة صاحبةِ {ألواح} أي: أخشاب نجرت حتى صارت عريضة {ودسر} جمع دسار ككتاب وهو ما تشدّ به السفينة من مسمار وحديد أو خشب أو من خيوط الليف ونحوها قال البقاعي: ولعله عبّر عن السفينة بما شرحها تنبيهاً على قدرته على ما يريد.

{تجري} أي: السفينة {بأعيننا} أي: محفوظة من أنْ تدخل بحر الظلمات، أو يأتي عليها غير ذلك من الآفات بحفظنا على مالنا من العظمة حفظ من ينظر الشيء بأعين كثيرة ولا يغيب عنه أصلاً، وجوّزوا أنْ يكون جمع تكسير لعين الماء. وقوله تعالى: {جزاء} منصوب بفعل مقدّر أي أغرقوا انتصاراً {لمن كان كفر} وهو نوح عليه الصلاة والسلام أو الباري تعالى:

{ولقد تركناها} أي: أبقينا هذه الفعلة العظيمة من جري السفينة على هذا الوجه وإبقاء نوعها دالة على ما لنا من العظمة وقيل تلك السفينة بعينها بقيت على الجودي حتى أدرك بقاياها أول هذه الأمّة {آية} أي: علامة عظيمة على مالنا من العلم المحيط والقدرة التامّة {فهل من مدّكر} أي: معتبر ومتعظ بها وأصله مذتكر أبدلت التاء دالاً مهملة وكذا المعجمة وأدغمت فيها.

وقوله تعالى: {فكيف كان} أي وجد وتحقق {عذابي} أي: لمن كفر وكذب رسلي {ونذر} أي: إنذاري، استفهام تقرير فكيف خبر كان وهي للسؤال عن الحال والمعنى حمل المخاطبين على الإقرار بوقوع عذابه تعالى بالمكذبين لنوح موقعه وقرأ ورش بإثبات الياء بعد الراء وصلا لا وقفاً جميع ما في هذه السورة، والباقون بغير ياء وقفاً ووصلاً.

قال البقاعي: ولما كان هذا المفصل مما أنزل أول القرآن تيسيراً على الأمّة نبه على ذلك بقوله تعالى: {ولقد يسرنا} أي: على مالنا من العظمة {القرآن} أي: على ماله من الجمع والفرق والعظمة المناسبة لكونه وصفاً لنا {للذكر} أي: الاتعاظ والتذكر والتدبر والفهم والتشريف والحفظ لمن يراعيه. قال ابن برجان: أنزلناه باللسان العربي ونزلناه للإفهام تنزيلاً، وضربنا لهم الأمثال، وأطلنا لهم في هذه الأعمار ليتذكروا الميثاقَ المأخوذَ عليهم، وقال القشيري: يسرّ قراءته على ألسنة قوم وعلمه على قلوب قوم وفهمه على قلوب قوم وحفظه على قلوب قوم وكلهم أهل القرآن وخاصته وليس يُحفظ من كتب الله تعالى عن ظهر قلب غيره. قاله المحلى. {فهل من مدكر} أي: معتبر ومتعظ بها وتقدم أصله.

ولما انقضت قصة نوح عليه السلام على هذا الهول العظيم ذكر قصة عاد لأنها أعظم قصة جرت بعد قوم نوح فيما تعرفه العرب بقوله تعالى:

{س٥٤ش١٨/ش٢٢ كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ * إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِى يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ * تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}

{كذبت عاد} أي: أوقعت التكذيب العام المطلق الذي أوجب تكذيبهم برسولهم هود عليه الصلاة والسلام في دعائه لهم إليّ وإنذاره عذابي {فكيف} أي: فعلى أي الأحوال لأجل تكذيبهم {كان عذابي} لهم {ونذر} أي: وإنذاري إياهم بلسان رسولي قبل نزوله، أي وقع موقعه.

فإن قيل: لِمَ لم يقل: فكذبوا هودا كما قال تعالى في قصة نوح: {فكذبوا عبدنا} أجيب: بأنّ تكذيب قوم نوح أبلغ لطول مقامه فيهم وكثرة عنادهم وإمّا لأن قصة عاد ذكرت مختصرة.

ثم بين عذابهم بقوله تعالى: {إنا أرسلنا} أي: بمالنا من العظمة. {عليهم ريحاً}

<<  <  ج: ص:  >  >>