الليل {فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان} (الرحمن: ٣٧)
فوقف الشاب وخنقته العبرة وجعل يقول ويحي من يوم تنشق فيه السماء ويحي فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم «ويحك يا فتى منها فو الذي نفسي بيده لقد بكت ملائكة السماء من بكائك» .
الثاني: أنّ المعنى إن كذبتم بالنعمة المتقدّمة استحقيتم هذه العقوبات وهي دالة على الإيمان بالغيب، وهو من أعظم النعم.
ولما عرف ما للمجرم المجترئ على العظائم وقدمه لما اقتضاه مقام التكذيب من الترهيب، وجعله سابعاً إشارة إلى أبواب النار السبع، عطف عليه ما للخائف الذي أداه خوفه إلى الطاعة، وجعله ثامناً على عدد أبواب الجنة الثمانية فقال تعالى:
{ولمن خاف} أي: من الثقلين ووحد الضمير مراعاة للفظ من إشارة إلى قلة الخائفين {مقام ربه} أي: قيامه بين يدي ربه للحساب بترك المعصية والشهوة؛ قال القرطبي: ويجوز أن يكون المقام للعبد ثم يضاف إلى الله تعالى وهو كالأجل في قوله تعالى: {فإذا جاء أجلهم} (الأعراف: ٣٤)
وقوله تعالى في موضع آخر: {إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر} (نزح: ٤)
. وقال مجاهد: هو الذي يهم بالمعصية فيذكر الله تعالى فيدعها من مخافته عز وجل. {جنتان} أي: لكل خائف جنتان على حدة. قال مقاتل: جنة عدن وجنة النعيم وقال محمد بن علي الترمذي: جنة بخوف ربه وجنة بترك شهوته؛ وقال ابن عباس: من خاف مقام ربه بعد أداء الفرائض؛ وقيل: جنتان لجميع الخائفين؛ وقيل: جنة لخائف الإنس وأخرى لخائف الجنّ فيكون من باب التوزيع؛ وقيل: مقام هنا مقحم كما تقول أخاف جانب فلان، وفعلت هذا لمكانك، وأنشد:
*................ ونفيت عنه ... مقام الذئب؛ كالرجل اللعين*
يريد ونفيت عنه الذئب؛ قال ابن عادل: وليس بجيد لأنّ زيادة الاسم ليست بالسهلة؛ وقيل: إنّ الجنتين جنته التي خلقت له وجنة، ورثها؛ وقيل: إحدى الجنتين منزله والأخرى منزل أزواجه كما يفعل رؤساء الدنيا؛ وقيل: إحدى الجنتين مسكنه والأخرى بستانه؛ وقيل: إحدى الجنتين أسافل القصور والأخرى أعاليها؛ وقال الفراء: إنها جنة واحدة وإنما ثنى مراعاة لرؤوس الآي؛ وأنكر القتيبي هذا وقال: لا يجوز أن يقال خزنة النار عشرون وإنما قال: تسعة عشر مراعاة لرؤوس الآي؛ وقيل: جنة واحدة وإنما ثنى تأكيداً كقوله تعالى: {ألقيا في جهنم} (ق: ٢٤)
وعن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل إلا أن يبلغه الله تعالى إليه إلا أن يبلغه الله تعالى الجنة» أخرجه الترمذي. قوله أدلج الإدلاج مخففاً سير أول الليل، ومثقلاً سير آخر الليل؛ والمراد من الإدلاج التشمير والجد والاجتهاد في أوّل الأمر فإن من سار في أوّل الليل كان جديراً ببلوغ المنزل.
روى البغوي بسنده عن أبي الدرداء أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص على المنبر وهو يقول: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} قلت: وإن زنى وإن سرق يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {ولمن خاف مقام ربه جنتان} فقلت الثانية: وإن زنى وإن سرق يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الثالثة: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} قلت الثالثة: وإن زنى وإن سرق يا رسول الله قال: «وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي الدرداء» .
فائدة: قال القرطبي: في هذه الآية دليل على أنّ من قال لزوجته إن لم أكن من أهل الجنة فأنت طالق إنه لا يحنث إن كان هم بالمعصية وتركها خوفا من الله تعالى وحياء منه؛ وقاله سفيان الثوري وأفتى به. هذا ومذهب