للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الشافعي أنه لا يحنث إذا كان مسلماً ومات على الإسلام.

وقال عطاء: نزلت هذه الآية في أبي بكر حين ذكر ذات يوم الجنة حين أزلفت والنار حين أبرزت؛ وقال الضحاك: بل شرب ذات يوم لبناً على ظمأ فأعجبه فسأل عنه، فأخبر عنه أنه من غير حل فاستقاءه ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه فقال: رحمك الله لقد أنزلت فيك آية وتلا عليه الآية.

{فبأي آلاء} أي: نعم {ربكما} المربي لكما بإحسانه الكبار التي لا يقدر أحد على شيء منها {تكذبان} أبتلك النعمة أم بغيرها من نعمة التي لا تحصى؟.

ثم وصف الجنتين بقوله تعالى: {ذواتا} أي: صاحبتا أو خبر لمبتدأ محذوف أي: هما ذواتا، وفي تثنية ذات لغتان الردّ إلى الأصل، فإنّ أصلها ذوية فالعين واو واللام ياء لأنها مؤنثة ذوو الثانية التثنية على اللفظ فيقال ذاتا. وقوله تعالى {أفنان} فيه وجهان:

أحدهما: أنه جمع فنن كطلل وهو الغصن المستقيم طولاً تكون به الزينة بالورق والثمر وكمال الانتفاع، قال النابغة الذبياني:

*بكاء حمامة تدعو هديلا

... مفجعة على فنن تغني

وفي الحديث: «أهل الجنة مرد مكحولون الوفانين» يريد الأفانين وهو جمع أفنان وأفنان جمع فنن من الشعر شبه بالغصن ذكره الهروي. وقال قتادة: ذواتا أفنان أي: ذواتا سعة وفضل على سواهما.

والوجه الثاني: أنه جمع فن وإليه أشار ابن عباس. والمعنى ذواتا أنواع وأشكال وقال الضحاك: ألوان من الفاكهة واحدها فنّ إلا أنّ الكثير في فنّ أن يجمع على فنون: وقال عطاء كل غصن فنون من الفاكهة، ولذا سبب عنه قوله تعالى: {فبأي آلاء} أي: نعم {ربكما} أي: المحسن إليكما والمدبر لكما {تكذبان} أبتلك النعم من وصف الجنة الذي جعل لكم من أمثاله ما تعتبرون به، أم بغيرها؟.

ولما كانت الجنان لا تقوم إلا بأنهار قال تعالى: {فيهما عينان تجريان} أي: في كل واحدة منهما عين جارية قال ابن عباس تجريان: ماء بالزيادة والكرامة من الله تعالى على أهل الجنة؛ وعن ابن عباس أيضاً والحسن: تجريان بالماء الزلال إحدى العينين التسنيم والأخرى السلسبيل؛ وقال عطية: أحدهما من ماء غير آسن، والأخرى من خمر لذة للشاربين؛ وقيل: تجريان من جبل من مسك قال أبو بكر الوراق: فيهما عينان تجريان لمن كانت عيناه في الدنيا تجريان من مخالفة الله عز وجل فتجريان في أي مكان شاء صاحبهما وإن علا مكانه كما تصعد المياه في الأشجار في كلّ غصن منها وإن زاد علوها.

{فبأي آلاء} أي: نعم {ربكما} أي: المالك لكما والمحسن إليكما {تكذبان} أبتلك النعم التي ذكرها وجعل لها في الدنيا أمثالاً كثيرة أم بغيرها؟.

{فيهما} أي: الجنتين {من كل فاكهة} أي: تعلمونها أو لا تعلمونها {زوجان} أي: صنفان ونوعان قيل: معناه أنّ فيهما من كلّ ما يتفكه به ضربين رطباً ويابساً؛ وقال ابن عباس: ما في الدنيا ثمرة حلوة ولا مرّة إلا وهي في الجنة حتى الحنظل إلا أنه حلو.

فإن قيل: قوله تعالى: {ذواتا أفنان} و {فيهما عينان تجريان} و {فيهما من كل فاكهة زوجان} كلها أوصاف للجنتين فما الحكمة في فصل بعضها عن بعض بقوله تعالى {فبأي آلاء ربكما تكذبان} مع أنه تعالى لم يفصل حين ذكر العذاب بين الصفات؛ بل قال تعالى: {يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران} مع أنّ إرسال الشواظ غير إرسال النحاس؟ أجيب: بأنه تعالى جمع

<<  <  ج: ص:  >  >>