للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ما لأهل الجمود الذين لا يجوزون الممكنات ذكر تعالى أضدادهم، فقال تعالى مؤكداً لأجل إنكارهم:

{إن للمتقين} أي: العريقين في صفة التقوى {عند ربهم} أي: المحسن إليهم في موضع دوم أولئك وجنة آمالهم {جنات} جمع جنة وهي لغة: البستان الجامع، وفي عرف الشرع: مكان اجتمع فيه جميع السرور وانتفى عنه جميع الشرور {النعيم} أي: جنات ليس فيها إلا النعيم الخالص لا يشوبه ما ينغصه كما يشوب جنات الدنيا.

قال مقاتل: لما نزلت هذه الآية قال كفار مكة للمسلمين: إن الله تعالى فضلنا عليكم في الدنيا، فلا بدّ وأن يفضلنا عليكم في الآخرة، فإن لم يحصل التفضيل فلا أقل من المساواة فأجابهم الله تعالى بقوله سبحانه:

{أفنجعل المسلمين} أي: الذين هم عريقون في الانقياد لأوامرنا والصلة لما أمرنا بوصله طلباً لمرضاتنا، فلا اختيار لهم معنا في نفس ولا غيرها لحسن جبلاتهم {كالمجرمين} أي: الراسخين في قطع ما أمرنا به أن يوصل وأنتم لا تقرون بمثل هذا، ففي ذلك إنكار لقول الكفرة، فإنهم كانوا يقولون أيضاً: إن صح أننا نبعث كما يزعم محمد ومن معه لم يفضلونا، بل نكون أحسن حالاً منهم كما نحن عليه في الدنيا.

وقوله تعالى: {ما لكم} أي: أيّ شيء يحصل لكم من هذه الأحكام الجائرة البعيدة عن الصواب {كيف تحكمون} أي: أيّ عقل دعاكم إلى هذا الحكم الذي يتضمن التسوية من السيد بين المحسن من عبيده والمسيء مع التفاوت، فيه تعجب من حكمهم واستبعاد له وإشعار بأنه صادر عن اختلال فكر واعوجاج رأي.

{أم} أي: بل الله {لكم كتاب} أي: سماوي معروف أنه من عند الله خاص بكم {فيه} أي: لا في غيره من أساطير الأولين {تدرسون} أي: تقرؤون قراءة أيقنتكم.

{إن لكم} أي: خاصة على وجه التأكيد الذي لا رخصة في تركه {لما تخيرون} أي: ما تختارونه وتشتهونه، وكسرت وكان حقها الفتح لولا اللام لأن ما بعدها هو المدروس، ويجوز أن تكون الجملة حكاية للمدروس وأن تكون استئنافية.

{أم لكم أيمان} أي: عهود ومواثيق {علينا} قد حملتمونا إياها {بالغة} أي: واثقة لأيمان، وقوله تعالى: {إلى يوم القيامة} متعلق بما تعلق به لكم من الاستقرار، أي: ثابتة لكم إلى يوم القيامة، أي: مبالغة، أي: تبلغ إلى ذلك اليوم وتنتهي إليه. وقوله تعالى: {إن لكم لما تحكمون} جواب القسم لأن معنى {أم لكم أيمان علينا} أي: أقسمنا لكم.

ولما عجب منهم وتهكم بهم ذيل ذلك بتهكم أعلى منه يكشف عوارهم غاية الكشف فقال تعالى: {سلهم} يا أشرف الرسل {أيهم بذلك} أي: الأمر العظيم الذي يحكمون به لأنفسهم من أنهم يعطون في الآخرة أفضل من المؤمنين {زعيم} أي: كفيل وضامن أو سيد أو رئيس أو متكلم بحق أو باطل التزم في ادعائه صحة ذلك.

{أم لهم شركاء} موافقون لهم في هذا القول يكفلونه لهم فإن كانوا كذلك {فليأتوا بشركائهم} أي: الكافلين لهم به {إن كانوا صادقين} أي: عريقين في هذا الوصف كما يدعونه.

وقوله تعالى: {يوم} منصوب بقوله تعالى: {فليأتوا} أي: فليأتوا بشركائهم يوم {يكشف} أي: يحصل الكشف فيه، بني للمفعول لأن المخيف وقوع الكشف الذي هو كناية عن تفاقم الأمر وخروجه عن حدّ الطوق لا كونه من معين، مع أنه من المعلوم أنه لا فاعل هناك غيره سبحانه وتعالى {عن ساق} أي: يشتدّ فيه الأمر غاية الاشتداد، لأنّ من اشتدّ

<<  <  ج: ص:  >  >>