للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عليه الأمر وجد في فصله شمر عن ساقه لأجله وشمرت حرمه عن سوقهنّ غير محتشمات فهو كناية عن هذا، ولذلك نكره تهويلاً له وتعظيماً، نقل هذا التأويل عن ابن عباس وسعيد بن جبير وغيرهما، وعن انكشاف جميع الخلائق وظهور الجلائل فيه والدقائق من الأهوال وغيرها، كما كشفت هذه الآيات جميع الشبه، فتركت السامع لها في مثل ضوء النهار، ويجوز أن يكون منصوباً بإضمار: اذكر فيكون على هذا مفعولاً به وعلى الأول لا يوقف على صادقين.

تنبيه: علم مما تقرر أن كشف الساق كناية عن الشدة، قال الراجز:

*عجبت من نفسي ومن إشفاقها ... ومن طرادي الطير عن أرزاقها*

*في سنة قد كشفت عن ساقها ... حمراء تبرى اللحم عن عراقها*

وقال: الطائي:

*أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها ... وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا*

وقال: آخر:

*قد شمرت عن ساقها فشدوا ... وجدّت الحرب بكم فجدّوا*

وقال أبو عبيدة: إذا اشتد الأمر أو الحرب قيل: كشف الأمر عن ساقه، والأصل فيه: أن من وقع في شيء يحتاج فيه إلى الجد شمر عن ساقه، فاستعير الساق والكشف عنها في موضع الشدة، وقال القرطبي: وأما ما روي أن الله تعالى يكشف عن ساقه، فإنه تعالى متعال عن الأعضاء والأبعاض وأن ينكشف ويتغطى، ومعناه: أن يكشف عن العظيم من أمره. وقيل: يكشف عن نوره عز وجل، وروى أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {عن ساق} قال: «يكشف عن نور عظيم يخرون له سجداً» وروى أبو بردة عن أبي موسى قال: حدثني أبو موسى قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا كان يوم القيامة مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون في الدنيا فيذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ويبقى أهل التوحيد فيقال لهم: ما تنتظرون وقد ذهب الناس فيقولون: إن لنا رباً كنا نعبده في الدنيا ولم نره قال: أو تعرفونه إذا رأيتموه؟ فيقولون: نعم فيقال: فكيف تعرفونه ولم تروه؟ قالوا: إنه لا شبيه له فيكشف لهم الحجاب فينظرون الله تعالى فيخرون له سجداً، ويبقى أقوام ظهورهم كصياصي البقر فينظرون إلى الله تعالى فيريدون السجود فلا يستطيعون فذلك قوله تعالى: {يوم يكشف عن ساق} » .

{ويدعون} أي: من داعي الملك الديان {إلى السجود} توبيخاً على تركه الآن وتنديماً وتعنيفاً لا تعبداً وتكليفاً، فيريدونه ليفدوا أنفسهم مما يرون من المخاوف {فلا} أي: فتسبب عن ذلك أنهم لا {يستطيعون} لأنهم غير سالمين لا أعضاء لهم تنقاد به مع شدة معالجتهم لأنفسهم فيقول الله تعالى أي: للساجدين: عبادي ارفعوا رؤوسكم فقد جعلت بدل كل رجل منكم رجلاً من اليهود والنصارى في النار، قال أبو بردة: فحدثت هذا الحديث عبر بن عمر العزيز، فقال لي: والله الذي لا إله إلا هو لقد حدثك أبوك بهذا الحديث، فحلف له ثلاثة أيمان فقال: ما سمعت في أهل التوحيد حديثاً هو أحب إلي من هذا الحديث، وأما غير الساجدين فعن ابن مسعود تعقم أصلابهم، أي: ترد عظامها بلا مفاصل لا تنثني عند الرفع والخفض،

<<  <  ج: ص:  >  >>