أسيره على نفسه بالخبز، وكان الخبز إذ ذاك عزيزاً حتى كان ذلك الأسير يعجب من مكارمهم حتى كان ذلك مما دعاه إلى الإسلام، وذلك لأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لما دفعهم إليهم قال:«استوصوا بهم خيراً» . وقيل: الأسير المملوك، وقيل: المرأة لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم «اتقوا الله في النساء فإنهنّ عندكم عوان» أي: أسرى.
وقوله تعالى:{إنما نطعمكم} على إضمار القول أي: يقولون بلسان المقال أو الحال: إنما نطعمكم أيها المحتاجون {لوجه الله} أي: لذات الملك الذي استجمع الجلال والإكرام لكونه أمرنا بذلك، وعبر بالوجه لأنّ الوجه يستحى منه ويرجى ويخشى عند رؤيته {لا نريد منكم} لأجل ذلك {جزاء} أي: لنا من أعراض الدنيا {ولا شكوراً} أي: لشي من قول ولا فعل، روي أنّ عائشة رضي الله تعالى عنها كانت تبعث بالصدقة إلى أهل بيت ثم تسأل المبعوث ما قالوا، فإن ذكر دعاء دعت لهم بمثله ليبقى ثواب الصدقة لها خالصاً عند الله تعالى.
ثم عللوا قولهم هذا على وجه التأكيد بقولهم {إنا نخاف من ربنا} أي: الخالق لنا المحسن إلينا {يوماً} أي: أهوال يوم هو في غاية العظمة وبينوا عظمته بقولهم {عبوساً} قال ابن عباس رضي الله عنهما: ووصف اليوم بالعبوس مجاز على طريقين أن يوصف بصفة أهله من الأشقياء كقولك: نهارك صائم روي أن الكافر يعبس يومئذ حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران، وأن يشبه في شدّته وضرره بالأسد العبوس أو بالشجاع الباسل.
{قمطريراً} قال ابن عباس رضي الله عنهما: طويلاً. وقال مجاهد وقتادة رضي الله عنهم: القمطرير الذي يقبض الوجوه والجباه بالتعبس. وقال الكلبي: العبوس الذي لا انبساط فيه والقمطرير الشديد وقال الأخفش: القمطرير أشدّ ما يكون من الأيام وأطوله في البلاد يقال يوم قمطرير وقماطير إذا كان شديداً كريهاً.
ولما كان فعلهم هذا خالصاً لله تعالى سبب عنه جزاءهم فقال تعالى:{فوقاهم الله} أي: الملك الأعظم بسبب خوفهم {شر ذلك اليوم} أي: العظيم ولا بدّ لهم من نعيم ظاهر وباطن ومسكن يقيمون فيه وملبس وقد أشار إلى الأوّل بقوله تعالى: {ولقاهم} أي: أعطاهم {نضرة} أي: حسناً دائماً في وجوههم، وأشار إلى الثاني بقوله تعالى:{وسروراً} أي: في قلوبهم دائماً في مقابلة خوفهم في الدنيا.
وأشار إلى الثالث بقوله تعالى:{وجزاهم بما صبروا} أي: بسبب ما أوجدوا من الصبر على العبادة من لزوم الطاعة واجتناب المعصية ومنع أنفسهم الشهوات وبذل المحبوبات {جنة} أي: ادخلوا بستاناً جامعاً يأكلون منه ما يشتهون جزاء على ما كانوا يطعمون وإن كان غيرهم يشاركهم في ذلك دونهم في الجزاء وأشار إلى الرابع بقوله تعالى: {وحريراً} أي: ألبسوه أي: هو في غاية العظمة وما رواه البيضاوي تبعاً للزمخشري عن ابن عباس أنّ الحسن والحسين رضي الله عنهما مرضا فعادهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك، فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما صوم ثلاثة أيام إن برئا فشفيا وما معهما شيء، فاستقرض عليّ من شمعون اليهودي الخيبري ثلاثة آصع من شعير وطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم فوضعوها بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة فآثروه وباتوا لم يذوقوا