الخير في الدارين وهم أهل الطاعة الأغنياء، ومنهم: من له الشرّ فيهما وهم الكفرة الفقراء، ومنهم من له صورة خير في الدنيا وشرّ في الآخرة وهم الكفرة الأغنياء، ومنهم من له صورة شرّ في الدنيا وخير في الآخرة وهم المؤمنون الفقراء. وروى البغوي بسنده عن ابن مسعود قال:«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أهل البيت أختار الله لنا الآخرة على الدنيا» .
{ولسوف يعطيك} ، أي: بوعد لا خلف فيه وإن تأخر وقته بما أفهمته الأداة {ربك} ، أي: المحسن إليك بسائر النعم في الآخرة من الخيرات عطاء جزيلاً {فترضى} ، أي: به فقال صلى الله عليه وسلم «إذاً لا أرضى وواحد من أمّتي في النار» . وعن عبد الله بن عمرو بن العاص: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم رفع يديه وقال: «اللهمّ أمّتي أمّتي وبكى فقال الله تعالى: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل له إنا سنرضيك في أمّتك ولا نسوءك» . وعن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال:«لكل نبيّ دعوة مستجابة فتعجل كل نبيّ دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمّتي يوم القيامة فهي نائلة من مات لا يشرك بالله شيئاً» وعن عوف بن مالك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتاني آت من عند ربي يخبرني بين أن يدخل نصف أمّتي الجنة وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة، فهي نائلة من مات لا يشرك بالله شيئاً» . وعن شريح قال: سمعت أبا جعفر محمد بن عليّ يقول: إنكم معشر أهل العراق تقولون أرجى آية في القرآن {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله}(الزمر: ٥٣)
وإنا أهل البيت نقول: أرجى آية في كتاب الله {ولسوف يعطيك ربك فترضى} وفي هذا موعد لما أعطاه الله تعالى في الدنيا من الفتح والظفر بأعدائه يوم بدر ويوم فتح مكة ودخول الناس في الدين أفواجاً، والغلبة على قريظة والنضير وإجلائهم وبث عساكره وسراياه في بلاد العرب وما فتح على خلفائه الراشدين في أقطار الأرض من المدائن، وهدم بأيديهم من ممالك الجبابرة، وأنهبتهم من كنوز الأكاسرة وما قذف في قلوب أهل الشرق والغرب من الرعب وتهيب الإسلام وفشوّ الدعوة واستيلاء المسلمين.
ولما أعطاه في الآخرة من الثواب الذي لا يعلم كنهه إلا الله تعالى. قال ابن عباس: له الجنة ألف قصر من لؤلؤ أبيض ترابه المسك. فإن قيل: ما هذه اللام الداخلة على سوف؟ أجيب: بأنها لام الابتداء المؤكدة لمضمون الجملة، والمبتدأ محذوف تقديره: ولأنت سوف يعطيك، وذلك أنها لا تخلو من أن تكون لام قسم ابتداء، ولام الابتداء، لا تدخل إلا على الجملة من المبتدأ والخبر فلا بدّ من تقدير مبتدأ وخبر، وأن يكون أصله: ولأنت سوف يعطيك.
فإن قيل: ما معنى الجمع بين حرفي التأكيد والتأخير؟ أجيب: بأن معناه: أنّ العطاء كائن لا محالة وإن تأخر لما في التأخير من المصلحة على أنه تعالى أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بالحال التي كان عليها.
فقال جل ذكره:{ألم يجدك} وهو استفهام تقرير، أي: وجدك {يتيماً} وذلك أنّ أباه مات وهو جنين قد أتت عليه ستة أشهر، وقيل: مات قبل ولادته وماتت أمّه وهو ابن ثمان سنين. {فآوى} ، أي: بأن ضمك إلى عمك أبي طالب فأحسن تربيتك. وعن مجاهد: هو من قول العرب درة يتيمة إذا لم يكن لها نظير، فالمعنى: ألم يجدك