للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يتيماً واحداً في شرفك فآواك الله تعالى بأصحاب يحفظونك ويحوطونك. وهذا خلاف الظاهر من الآية، ولهذا قال الزمخشري: ومن بدع التفاسير أنه من قولهم: درة يتيمة، وأنّ المعنى: ألم يجدك واحداً في قريش عديم النظير فآواك. فإن قيل: كيف أنّ الله تعالى يمنّ بنعمه والمنّ بها لا يليق، ولهذا ذمّ فرعون في قوله لموسى عليه السلام: {ألم نربك فينا وليداً} (الشعراء: ١٨)

أجيب: بأنّ ذلك يحسن إذا قصد به تقوية قلبه ووعده بدوام النعمة، فامتنان الله تعالى زيادة نعمة بخلاف امتنان الآدمي.

واختلفوا في قوله تعالى: {ووجدك ضالاً فهدى} فأكثر المفسرين على أنه كان ضالاً عما هو عليه الآن من الشريعة فهداه الله تعالى إليها، وقيل: الضلال بمعنى الغفلة كقوله تعالى: {لا يضل ربي ولا ينسى} (طه: ٥٢) ، أي: لا يغفل. وقال تعالى في حق نبيه صلى الله عليه وسلم {وإن كنت من قبله لمن الغافلين} (يوسف: ٣)

. وقال الضحاك: المعنى: لم تكن تدري القرآن وشرائع الإسلام فهداك إلى القرآن وشرائع الإسلام.

وقال السدي: وجدك ضالاً، أي: في قوم ضلال فهداهم الله تعالى بك، أو فهداك على إرشادهم. وقيل: وجدك ضالاً عن الهجرة فهداك إليها. وقيل: ناسياً شأن الاستثناء حين سئلت عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح فذكرك كقوله تعالى: {أن تضل إحداهما} (البقرة: ٢٨٢)

. وقيل: وجدك طالباً للقبلة فهداك إليها. كقوله تعالى: {قد نرى تقلب وجهك في السماء} (البقرة: ١٤٤)

الآية، ويكون الضلال بمعنى الطلب لأنّ الضال طالب وقيل: وجدك ضائعاً في قومك فهداك إليهم، ويكون الضلال. بمعنى المحبة كما قال تعالى: {تالله إنك لفي ضلالك القديم} (يوسف: ٩٥) ، أي: محبتك. قال الشاعر:

*هذا الضلال أشاب مني المفرقا ... والعارضين ولم أكن متحققا*

*عجباً لعزة في اختيار قطيعتي ... بعد الضلال فحبلها قد أخلقا*

وروى الضحاك عن ابن عباس: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ضل في شعاب مكة وهو صبي صغير فرآه أبو جهل منصرفاً من أغنامه فردّه إلى عبد المطلب. وقال سعيد بن المسيب: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب في قافلة ميسرة عبد خديجة، فبينما هو راكب ذات ليلة مظلمة ناقة فجاء إبليس فأخذ بزمام الناقة فعدل بها عن الطريق فجاء جبريل عليه السلام فنفخ إبليس نفخة وقع منها إلى أرض الحبشة وردّه إلى القافلة، فمنّ الله تعالى عليه بذلك وقيل: وجدك ضالاً نفسك لا تدري من أنت فعرفك نفسك وحالك. وقال كعب: إنّ حليمة لما قضت حق الرضاع جاءت برسول الله صلى الله عليه وسلم لتردّه على عبد المطلب فسمعت عند باب مكة هنيأ لك يا بطحاء مكة اليوم يرد إليك النور والبهاء والجمال قالت: فوضعته لأصلح شأني فسمعت هدّة شديدة فالتفت فلم أره، فقلت: معشر الناس أين الصبي؟ فقالوا: لم نر شيئاً فصحت وامحمداه فإذا شيخ فان يتوكأ على عصا، فقال: اذهبي إلى الصنم الأعظم فإن شاء أن يرده إليك فعل ثم طاف الشيخ بالصنم وقبل رأسه، وقال: يا رب لم تزل منتك على قريش وهذه السعدية تزعم أنّ ابنها قد ضلّ فردّه إن شئت فانكب على وجهه وتساقطت الأصنام، وقالت إليك عنا أيها الشيخ فهلاكنا على يد محمد فألقى الشيخ عصاه وارتعد، وقال: إنّ لابنك رباً لا يضيعه فاطلبيه

<<  <  ج: ص:  >  >>