والياقوت، تربته أطيب من المسك، وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج» . وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «دخلت الجنة فإذا أنا بنهر يجري بياضه بياض اللبن، وأحلى من العسل، وحافتاه خيام الدر، فضربت بيدي فإذا الثرى مسك أذفر،. فقلت لجبريل: ما هذا؟ قال: الكوثر أعطاكه الله تعالى» . وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء من شرب منها لا يظمأ أبداً» .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنا فرطكم على الحوض، وليرفعن إلىّ رجال منكم حتى إذا أهويت إليهم لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول: إي: رب أصحابي، فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» . وعن ثوبان أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن عرضه فقال:«من مقامي إلى عمان» وسئل عن شرابه فقال: «أشدّ بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل فيه ميزابان يمدانه من الجنة أحدهما من ذهب والآخر من ورق» . وعن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«يرد عليّ يوم القيامة رهطان من أصحابي» ، أو قال:«من أمتي فيجلون عن الحوض فأقول: أي: رب أصحابي، فيقول إنه لا علم لك بما أحدثوا بعدك كإنهم ارتدّوا على ادبارهم القهقرى» .
ولمسلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«ترد عليّ أمّتي الحوض وأنا أذود الناس عنه كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله، قالوا: يا نبيّ الله تعرفنا قال: نعم لكم سيما ليست لأحد غيركم تردون عليّ غرّاً محجلين من آثار الوضوء، وليصدنّ عني طائفة منكم فلا يصلون، فأقول: يا رب هؤلاء أصحابي فيجيبني فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك» . وأحاديث الحوض كثيرة، وفيما ذكرناه كفاية لأولي الألباب فنسأل الله تعالى أن يروينا منه نحن وأحبابنا، ويدخلنا وإياهم الجنة بغير حساب.
قال القاضي عياض: أحاديث الحوض صحيحة، والإيمان به فرض، والتصديق به من الإيمان. وقال ابن عادل: وهو على ظاهره عند أهل السنة والجماعة لا يتأوّل ولا يختلف فيه، وحديثه متواتر النقل رواه خلائق من الصحابة اه. وقيل: الكوثر القرآن العظيم، وقيل:: هو النبوّة والكتاب والحكمة وقيل: هو كثرة أتباعه.
وقيل: الكوثر الخير الكثير الذي أعطاه الله تعالى إياه. وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: الكوثر الخير الكثير. قال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير: إن ناساً يزعمون أن الكوثر نهر في الجنة؟ فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير الكثير الذي أعطاه الله تعالى إياه.
وأصل الكوثر فوعل من الكثرة والعرب تسمي كل شيء كثير في العدد أو كثير القدر والخطر كوثراً قيل: لأعرابية رجع ابنها من السفر: آب ابنك، قالت: آب بكوثر، وقال الشاعر:
*وأنت كثير يا ابن مروان طيب ... وكان أبوك ابن العقائل كوثرا*
وقيل: الكوثر الفضائل الكثيرة التي فضلها على جميع الخلائق.
تنبيه: لا منافاة بين هذه الأقوال كلها فقد أعطيها النبيّ صلى الله عليه وسلم وأعطي صلى الله عليه وسلم النبوّة والحكمة والعلم والشفاعة والحوض المورود، والمقام المحمود، وكثرة الاتباع، وإظهاره على الأديان كلها، والنصر على الأعداء، وكثرة الفتوح في زمنه إلى يوم القيامة، وأولى الأقاويل في الكوثر وهو الذي