للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أحبّ أن ترى نعمته على عبده» . وبنى عامل للرشيد قصراً حذاء قصره فنم به عنده فقال الرجل: يا أمير المؤمنين إنّ الكريم يسره أن يرى أثر نعمته، فأحببت أن أسرك بالنظر إلى آثار نعمتك فأعجبه كلامه، وقوله تعالى:

{والذين} عطف على الذين قبله {ينفقون أموالهم رئاء الناس} أي: مرائين لهم {ولا يؤمنون با ولا باليوم الآخر} أي: كالمنافقين ومشركي مكة المنفقين أموالهم في عداوة النبيّ صلى الله عليه وسلم {ومن يكن الشيطان له قريناً} أي: صاحباً يعمل بأمره كهؤلاء {فساء} أي: فبئس {قريناً} هو حيث حملهم على البخل والرياء وكل شر وزينه لهم كقوله تعالى: {إنّ المبذرين كانوا إخوان الشياطين} (الإسراء، ٢٧)

والمراد: إبليس وأعوانه الداخلة في باطن الإنسان والخارجة عنه، ويجوز أن يكون وعيداً لهم بأنّ الشيطان يقرن بهم في النار.

{وماذا عليهم لو آمنوا با واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله} أي: أيّ ضرر عليهم في ذلك والاستفهام للإنكار، ولو مصدرية أي: لا ضرر فيه، وإنما الضرر فيما هم عليه وقوله تعالى: {وكان الله بهم عليماً} وعيد لهم فيجازيهم بما عملوا.

{إنّ الله لا يظلم} أحداً {مثقال} أي: وزن {ذرّة} وهي أصغر نملة، ويقال: لكل جزء من أجزاء الهباء في الكوّة، أي: لا ينقص قدر ذلك من حسناته ولا يزيده في سيئاته كما قال تعالى: {إنّ الله لا يظلم الناس شيئاً} (يونس، ٤٤) ، وفي ذكر المثقال إيماء إلى أنه وإن صغر قدره عظم جزاؤه. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه أدخل يده في التراب فرفعها ثم نفخ فيه فقال: كل واحدة من هؤلاء ذرة {وإن تك حسنة} أي: وإن يك المثقال حسنة {يضاعفها} أي: ثوابها من عشر إلى أكثر من سبعمائة، وعن أبي عثمان النهدي أنه قال لأبي هريرة: بلغني عنك أنك تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّ الله يعطي عبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة» قال أبو هريرة: لا بل سمعته يقول «إنّ الله يعطيه ألفي ألف حسنة» . ثم تلا هذه الآية.

وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الله لا يظلم المؤمن حسنة يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجزيه بها في الآخرة» قال: وأمّا الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يعطى بها خيراً. وفي رواية: «إذا خلص المؤمنون من النار وأمنوا فما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا بأشد مجادلة من المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار، قال: يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا فأدخلتهم النار قال: فيقول اذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم فيأتون فيعرفونهم بصورهم لا تأكل النار صورهم فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه ومنهم من أخذته إلى ركبتيه فيخرجونهم فيقولون: ربنا قد أخرجنا من أمرتنا قال: ثم يقول: أخرجوا من كان في قلبه وزن دينار ثم من كان في قلبه وزن نصف دينار حتى يقول من كان في قلبه مثقال ذرّة، قال أبو سعيد: فمن لم يصدّق فليقرأ هذه {إنّ الله} إلخ.. قال: فيقولون ربنا قد أخرجنا من أمرتنا فلم يبق أحد في النار فيه خير ثم يقول الله عز وجل: شفعت الملائكة وشفعت الأنبياء وشفعت المؤمنون وبقي أرحم الراحمين قال: فيقبض قبضة من النار أو قال قبضتين ناساً لم يعملوا خيراً حتى احترقوا حتى صاروا حمماً فيؤتى بهم إلى ماء يقال له: ماء الحياة فيصب عليهم فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ـ وهي بكسر

<<  <  ج: ص:  >  >>