كعب الأحبار لما سمع هذه الآية أسلم في زمن عمر رضي الله تعالى عنه فقال: يا رب آمنت يا رب أسلمت مخافة أن يصيبه وعيد هذه الآية.
فإن قيل: قد أوعدهم الله بالطمس إن لم يؤمنوا ثم لم يؤمنوا ولم يفعل بهم ذلك؟ أجيب: بأنّ هذا الوعيد باق ويكون طمس ومسخ في اليهود قبل قيام الساعة، أو أنّ هذا كان وعيداً بشرط فلما أسلم عبد الله بن سلام وأصحابه رفع ذلك عن الباقين، وقيل: أراد به في القيامة، وقال مجاهد: أراد بقوله: نطمس وجوهاً أي: نتركهم في الضلالة، فيكون المراد طمس وجه القلب والردّ عن بصائر الهدى على أدبارها في الكفر والضلالة {أو نلعنهم} أي: نمسخهم قردة وخنازير {كما لعنا} أي: مسخنا {أصحاب السبت} منهم قردة وخنازير {وكان أمر الله} أي: قضاؤه {مفعولاً} أي: نافذاً وكائناً فيقع لا محالة ما أوعدتم به إن لم تؤمنوا.
{إن الله لا يغفر أن يشرك به} أي: لا يغفر الإشراك به، قال عمر رضي الله تعالى عنهما: لما نزل {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله يغفر الذنوب جميعاً} (الزمر، ٥٣)
قالوا: يا رسول الله والشرك فنزلت. ولما أخبر بعدله أخبر تعالى بفضله فقال: {ويغفر ما دون ذلك} الأمر الكبير العظيم من كل معصية سواء أكانت صغيرة أم كبيرة سواء أتاب فاعلها أم لا، ورهب بقوله: إعلاماً بأنه مختار لا يجب عليه شيء {لمن يشاء} .
وقال الكلبيّ: نزلت هذه الآية في وحشي بن حرب وأصحابه وذلك أنه لما قتل حمزة وذهب إلى مكة ندم هو وأصحابه وكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا قد ندمنا على ما صنعنا وإنه ليس يمنعنا عن الإسلام إلا أنا سمعناك تقول وأنت بمكة: {والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر} (الفرقان، ٦٨)
الآيات وقد دعونا مع الله إلهاً آخر وقتلنا النفس التي حرّم الله قتلها وزنينا فلولا هذه الآيات لاتبعناك فنزلت: {إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً} (مريم، ٦٠)
الآيتين فبعث بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فلما قرؤوهما كتبوا إليه: إن هذا شرط شديد نخاف أن لا نعمل عملاً صالحاً فنزلت: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فبعث بها إليهم فبعثوا إليه إنا نخاف أن لا نكون من أهل مشيئته فنزل: {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} (الزمر، ٥٣)
الآية فبعث بها إليهم، فدخلوا في الإسلام ورجعوا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقبل منهم ثم قال لوحشيّ «أخبرني كيف قتلت حمزة؟» فلما أخبره قال: «ويحك غيب وجهك عني» فلحق وحشيّ بالشأم فكان بها إلى أن مات {ومن يشرك با فقد افترى} أي: ارتكب {إثماً عظيماً} أي: كبيراً فالافتراء كما يطلق على القول يطلق على الفعل وكذا الاختلاق.
روي أن رجلاً قال: يا رسول الله ما الموجبات؟ قال: «من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئاً دخل النار» .
وروى أبو ذر أنه صلى الله عليه وسلم قال: «ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة» قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: «وإن زنى وإن سرق» قلت: وإن زنى وإن سرق قال: «وإن زنى وإن سرق» قلت: «وإن زنى وإن سرق؟ قال: «وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر» وكان أبو ذر إذا حدّث بهذا قال: وإن رغم أنف أبي ذر {ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم} قال الحسن وقتادة: نزلت في اليهود والنصارى قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه {وقالوا: لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى} (البقرة، ١١١) ، وقال الكلبيّ: نزلت في رجال من اليهود جاؤوا إلى رسول الله