أن لا يتأخروا عنهم، وهم الأنبياء الفائزون بكمال العلم والعمل المتجاوزون حدّ الكمال إلى درجة التكميل، ثم الصدّيقون الذين صعدت نفوسهم تارة بمراقي النظر في الحجج والآيات وأخرى بمعارج التصفية والرياضات إلى أوج العرفان حتى اطلعوا على الأشياء وأخبروا عنها على ما هي عليه، ثم الشهداء الذين أدّى بهم الحرص على الطاعة والجدّ في إظهار الحق حتى بذلوا مهجتهم في إعلاء كلمة الله تعالى، ثم الصالحون الذين صرفوا أعمارهم في طاعته وأموالهم في مرضاته {وحسن} أي: وما أحسن {أولئك} أي: العالون الأخلاق السابقون {رفيقاً} من الرفق وهو لين الجانب ولطافة الفعل، وهو مما يستوي واحده وجمعه أي: رفيقاً في الجنة بأن يستمتع فيها برؤيتهم ورؤيا ربهم والحضور معهم وإن كان مقرّهم في درجات عالية بالنسبة إلى غيرهم.
روي عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله الرجل يحب قوماً ولم يلحق بهم قال النبيّ صلى الله عليه وسلم «المرء مع من أحب» .
وروي أيضاً أن رجلاً قال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال:«وما أعددت لها؟» فلم يذكر كثيراً إلا أنه يحب الله ورسوله قال: «فأنت مع من أحببت» وقوله تعالى:
{ذلك} أي: كونهم مع من ذكر مبتدأ خبره {الفضل من الله} أي: تفضل به عليهم لا إنهم نالوه بطاعتهم {وكفى با عليماً} أي: بجزاء من أطاعه أو بمقادير الفضل واستحقاق أهله.
روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«قاربوا وسدّدوا واعلموا أنه لا ينجو أحد منكم بعمله» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال:«ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل» .
{يأيها الذين آمنوا} أي: أقرّوا بالإيمان {خذوا حذركم} من عدوّكم أي: احترزوا منه، وتيقظوا له والحذر الحذر كالأثر الأثر {فانفروا} أي: اخرجوا إلى قتاله مسرعين {ثبات} أي: جماعات متفرّقين سرية في أثر سرية جمع ثبة، وهي الجماعة من الرجال فوق العشرة {أو انفروا جميعاً} أي: مجتمعين كوكبة واحدة، قال البيضاوي: والآية وإن نزلت في الحرب لكن يقتضي إطلاق لفظها وجوب المبادرة إلى الخيرات كلها كيفما أمكن قبل الفوات.
{وإنّ منكم} الخطاب لعسكر النبيّ صلى الله عليه وسلم المؤمنين منهم والمنافقين {لمن ليبطئن} أي: ليتأخرن وليتثاقلن عن القتال وهم المنافقون كعبد الله بن أبيّ المنافق وأصحابه، وإنما قال منكم لاجتماعهم مع أهل الإيمان في الجنسية والنسب وإظهار الإسلام لا في حقيقة الإيمان {فإن أصابتكم مصيبة} كقتل وهزيمة {قال} هذا المتبطىء جهلاً منه وغلظة {قد أنعم الله عليّ إذ} أي: حين {لم أكن معهم شهيداً} أي: حاضراً فأصاب.
{ولئن} لام قسم {أصابكم فضل} أي: فتح وظفر وغنيمة {من الله} الذي كل شيء بيده {ليقولنّ} نادماً على ما فاته من الأغراض الدنيوية، وأكده تنبيهاً على فرط تحسره وقوله تعالى:{كأن} مخففة واسمها محذوف أي: كأنه {لم تكن بينكم وبينه مودّة} أي: معرفة وصداقة رجع إلى قوله: {قد أنعم الله عليّ} اعتراض بين القول ومقوله وهو {يا} للتنبيه {ليتني كنت معهم فأفوز} أي: بمشاركتهم في ذلك {فوزاً عظيماً} أي: آخذ حظاً وافراً من الغنيمة، وقرأ ابن كثير وحفص بالتاء في تكن على التأنيث والباقون بالياء على التذكير، ولما بين أن محط رحال القاعد عن الجهاد الدنيا علم أن قصد المجاهد الآخرة فقال تعالى: