للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دينه {الذين يشرون} أي: يبيعون برغبة {الحياة الدنيا بالآخرة} وهم المؤمنون، والمعنى: إن تباطأ هؤلاء عن القتال فليقاتل المجاهدون الباذلون أنفسهم في طلب الآخرة ويشرون أي: يأخذون وهم المتباطئون فيختارونها على الآخرة، والمعنى: حثهم على ترك ما حكي عنهم، وفي هذا استعمال للمشترك في مدلوليه {ومن يقاتل في سبيل الله} لإعلاء دينه {فيقتل} أي: يستشهد {أو يغلب} أي: يظفر بعدوّه {فسوف نؤتيه أجراً عظيماً} أي: ثواباً جزيلاً، وإنما وعد له الأجر العظيم غلب أو غلب ترغيباً في القتال وتكذيباً لقول المتبطىء {قد أنعم الله عليّ إذ لم أكن معهم شهيداً} وإنما قال: فيقتل أو يغلب تنبيهاً على أنّ المجاهد ينبغي أن يثبت في المعركة حتى يعدّ نفسه بالشهادة أو الدين بالظفر والغلبة وأن لا يكون قصده بالذات إلى القتل بل إلى إعلاء كلمة الحق وإظهار الدين.

روي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلمته أن يدخله الجنة أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة» .

وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «مثل المجاهد في سبيل الله كمثل القانت الصائم الذي لا يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجعه الله إلى أهله إنما يرجعه من غنيمة وأجر أو يتوفاه فيدخله الجنة» وقوله تعالى:

{وما لكم لا تقاتلون} استفهام توبيخ أي: لا مانع لكم من القتال {في سبيل الله} لإعلاء دينه وقوله تعالى: {والمستضعفين} عطف على إسم الله أي: وفي سبيل المستضعفين وهو تخليصهم من الأسر وصونهم عن العدوّ وقوله تعالى: {من الرجال والنساء والولدان} بيان للمستضعفين وهم المسلمون الذين حبسهم الكفار عن الهجرة وآذوهم قال ابن عباس: كنت أنا وأمي منهم وإنما ذكر الوالدان مبالغة في الحث وتنبيهاً على تناهي المشركين بحيث بلغ أذاهم الولدان وإن دعوتهم أجيبت بسبب مشاركتهم في الدعاء حتى يشاركوا في استنزال الرحمة واستدفاع البلية. وقيل: المراد بهم العبيد والإماء وهم جمع وليد {الذين يقولون} أي: داعين يا {ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها} أي: بالكفر {واجعل لنا من لدنك} أي: من عندك {ولياً} يتولى أمرنا {واجعل لنا من لدنك نصيراً} يمنعنا منهم وقد استجاب الله تعالى دعاءهم فيسر لبعضهم الخروج إلى المدينة، وبقي بعضهم إلى أن فتحت مكة له صلى الله عليه وسلم فتولاهم ونصرهم، ثم استعمل عليهم عتاب بن أسيد بفتح الهمزة وكسر السين فحماهم ونصرهم حتى صاروا أعز أهلها، وكان حينئذ ابن ثمان عشرة سنة، والقرية مكة، والظالم صفتها، وتذكيره لتذكير ما أسند إليه، فإن إسم الفاعل أو المفعول إذا جرى على غير من هو له كان كالفعل يذكر ويؤنث على حسب ما عمل فيه.

{الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله} أي: في طاعته الله {والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت} أي: في طاعة الشيطان {فقاتلوا} أيها المؤمنون {أولياء الشيطان} أي: حزبه وجنوده وهم الكفار {إن كيد الشيطان} أي: مكره بالمؤمنين {كان ضعيفاً} بالإضافة إلى كيد الله تعالى بالكافرين لا يعتدّ به، فلا تخافوا أولياءه فإن اعتمادهم على أضعف شيء أوهنه كما فعل الشيطان يوم بدر لما رأى الملائكة خاف أن تأخذه فهرب وخذلهم.

{ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم} أي: عن قتال الكفار، وهم جماعة من الصحابة كانوا يلقون

<<  <  ج: ص:  >  >>