للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأحسن أدبهم قال تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته} (الطلاق، ٧) ما عاب الله قوماً وسع عليهم الدنيا فتنعموا وأطاعوه ولا عذر قوماً ذواهاً عنهم فعصوه.

وروي أنّ عثمان بن مظعون أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: ائذن لي في الاختصاء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ليس منا من خصى ولا من اختصى إن خصاء أمتي الصيام» فقال: يا رسول الله ائذن لي بالسياحة فقال: «إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله» قال: يا رسول الله ائذن لي في الترهب قال: «إن ترهب أمتي الجلوس في المساجد لانتظار الصلاة» .

وروي أنّ رجلاً قال: يا رسول الله إني أصبت من اللحم فانتشرت فأخذتني شهوة فحرّمت اللحم فأنزل الله تعالى هذه الآية، ولا تعارض بين الخبرين لأنّ الشيء الواحد قد يكون له أسباب جمة بعضها أقرب من بعض.

وروي أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن التبتل نهياً شديداً وقال: «تزوّجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» .

{وكلوا مما رزقكم الله} ولما كان الرزق يقع على الحرام قيده بعد القيد بالتبعيض بقوله: {حلالاً طيباً} وهو مفعول كلوا ومما حال منه تقدّمت عليه لأنه نكرة وقوله تعالى: {واتقوا الله} تأكيد للتوصية بما أمر الله به وزاده تأكيداً بقوله: {الذي أنتم به مؤمنون} لأنّ الإيمان به يوجب التقوى في الانتهاء إلى ما أمر به وعمّا نهى عنه.

{لا يؤاخذكم الله باللغو} الكائن {في أيمانكم} هو ما يبدو من المرء بلا قصد كقول الإنسان: لا والله وبلى والله وإليه ذهب الشافعيّ رحمه الله تعالى، وقيل: هو الحلف على ما يظنّ أنه كذلك ولم يكن وإليه ذهب أبو حنيفة رحمه الله تعالى {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم} أي: وثقتم {الأيمان} عليه بأن حلفتم عن قصد.

روي أنّ الحسن سئل عن لغو اليمين وكان عنده الفرزدق فقال: يا أبا سعيد دعني أجب عنك فقال:

*ولست بمأخوذ بلغو تقوله ... إذا لم تعمد عاقدات العزائم*

والمعنى: ولكن يؤاخذكم الله بما عقدتم إذا حنثتم أو بنكث ما عقدتم فحذف التقدير بأحد الأمرين للعلم به، وقرأ ورش يؤاخذكم بإبدال الهمزة واواً مفتوحة، وقرأ ابن ذكوان عاقدتم بألف بعد العين وتخفيف القاف والباقون بغير ألف مع تشديد القاف {فكفارته} أي: اليمين إذا حنثتم فيه التي تذهب إثمه وتزيل أثره بحيث تصيرون كأنكم ما حلفتم.

{إطعام عشرة مساكين} أي: لكل مسكين مدّ عندنا ونصف صاع عند أبي حنيفة رحمه الله {من أوسط} أي: أعدل {ما تطعمون أهليكم} من برّ أو غيره لا من أعلاه ولا من أدناه {أو كسوتهم} بما يسمى كسوة كقميص وعمامة وإزار وسراويل ومقنعة من صوف وقطن وكتان وحرير ولو لرجل وإن لم يجز له لبسه لوقوع اسم الكسوة عليه رديئاً كان أو جيداً ويجزىء لبد أوفروة اعتبر في البلد لبسهما ولا يكفي دفع ما ذكر لمسكين واحد وعليه الشافعيّ ولا يكفي المكعب والنعل والخف والقلنسوة والتبان وهو سراويل قصيرة لا تبلغ الركبة ونحو ذلك مما لا يسمى كسوة {أو تحرير رقبة} أي: مؤمنة كما في كفارتي القتل والظهار حملاً للمطلق على المقيد وجوّز أبو حنيفة عتق الكافرة في كل كفارة إلا القتل، وخرج بالتخيير بين هذه الثلاثة أنه لا يجزىء أن يطعم خمسة ويكسو خمسة كما لا يجزىء إعتاق نصف رقبة وإطعام خمسة {فمن لم يجد} أي: بأن عجز عن أحد ما ذكر

<<  <  ج: ص:  >  >>