للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{فصيام ثلاثة أيام} أي: فكفارته صيام ثلاثة أيام ولا يجب تتابعها.

فإن قيل: قرىء شاذاً متتابعات والقراءة الشاذة كخبر الواحد في وجوب العلم كما أوجبنا قطع يد السارق اليمنى بالقراءة الشاذة في قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما} (المائدة، ٣٨) ولأنّ من عادة الشافعي رحمه الله تعالى حمل المطلق على المقيد من جنسه وهو الظهار والقتل أجيب: بأنّ اليمين نسخ فيها متتابعات تلاوة وحكماً فلا يستدل بها بخلاف آية السرقة فإنها نسخت تلاوة لا حكماً وبأنّ المطلق ههنا متردّد بين أصلين يجب التتابع في أحدهما وهو كفارة الظهار والقتل ولا يجب في الآخر وهو قضاء رمضان فلم يكن أحد الأصلين في التتابع بأولى من الآخر ويسنّ تتابعها خروجاً من خلاف أبي حنيفة فإنه شرط تتابعها.

تنبيه: المراد بالعجز أن لا يقدر على المال الذي يصرفه في الكفارة كمن يجد كفايته وكفاية من تلزمه مؤنته فقط ولا يجد ما يفضل عن ذلك وضابط ذلك: أنّ من جاز له أن يأخذ سهم الفقراء والمساكين من الزكاة والكفارات جاز له أن يكفر بالصوم لأنه فقير في الأخذ فكذا في الإعطاء {ذلك} أي: المذكور {كفارة أيمانكم إذا حلفتم} أي: وحنثتم {واحفظوا أيمانكم} أي: من أن تنكثوها ما لم تكن من فعل برّ أو إصلاح بين الناس كما مرّ في سورة البقرة {كذلك} أي: مثل ما بين لكم ما ذكر {يبين الله لكم آياته} أي: أعلام شريعته {لعلكم تشكرون} أي: يحصل منكم شكر بحفظ جميع الحدود الآمرة والناهية.

{يأيها الذين آمنوا إنما الخمر} أي: المسكر الذي خامر العقل سواء فيه كثيره وقليله {والميسر} أي: القمار {والأنصاب} أي: الأصنام {والأزلام} أي: قداح الاستقسام {رجس} أي: خبيث مستقذر وإنما وحد الخبر للنص على الخمر والإعلام بأنّ أخبار الثلاثة حذفت وقدرت لأنها أهل لأن يقال في كل واحدة منها على حدتها كذلك ولا يكفي عنها خبر واحد على سبيل الجمع ثم زاد في التنفير عنها تأكيداً لرجسيتها بقوله تعالى: {من عمل الشيطان} الذي يزينه {فاجتنبوه} أي: الرجس المعبر به عن هذه الأشياء أن تفعلوه {لعلكم تفلحون} أي: تظفرون بجميع مطالبكم.

واعلم أنه سبحانه وتعالى أكد تحريم الخمر والميسر في هذه الآية بأن صدّر الجملة بإنما وقرنهما بالأصنام والأزلام وسماهما رجساً وجعلهما من عمل الشيطان تنبيهاً على أن الاشتغال بهما شر خالص أو غالب وأمر بالاجتناب عن عينهما وجعل الاجتناب سبباً يرجى منه الفلاح ثم قرّر ذلك بأن بين ما فيهما من المفاسد الدينية والدنيوية المقتضية للتحريم بقوله تعالى:

{إنما يريد الشيطان} أي: بتزيين الشرب والقمار لكم {أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر} أي: إذا أتيتموهما لما يحصل فيهما من الشرّ والفتن، أمّا العداوة في الخمر فإنّ الشارب إذا سكر عربد كما فعل الأنصاري الذي شج رأس سعد بن أبي وقاص بلحى الجمل، وأمّا العداوة في الميسر فقال قتادة: كان الرجل يقامر على الأهل والمال ثم يبقى حزيناً مسلوب الأهل والمال مغتاظاً على حرفائه {ويصدّكم} بالاشتغال بهما {عن ذكر الله وعن الصلاة} وذلك لأنّ من اشتغل بشرب الخمر والقمار ألهاه ذلك عن ذكر الله وشوش عليه صلاته كما فعل بأضياف عبد الرحمن بن عوف، تقدّم رجل منهم يصلي بهم صلاة المغرب بعدما ما شربوا فقرأ قل يا أيها الكافرون أعبد بحذف لا، وإنما

<<  <  ج: ص:  >  >>