خصهما بإعادة الذكر وشرح ما فيهما من الوبال تنبيهاً على أنهما المقصودان بالبيان وذكر الأنصاب والأزلام للدلالة على أنهما مثلهما في الحرمة والشرارة لقوله صلى الله عليه وسلم «شارب الخمر كعابد الوثن» رواه البزار ورواه ابن حبان بلفظ «مدمن الخمر كعابد الوثن» قال: ويشبه أن يكون فيمن يستحلها وهو كذلك وخص الصلاة بالذكر للإفراد بالتعظيم والإشعار بأنّ الصادّ عنها كالصادّ عن الإيمان من حيث إنها عماده، والفارق بينه وبين الكفر ثم أعاد الحثّ على الانتهاء بصيغة الاستفهام مرتباً على ما تقدّم من أنواع الصوارف بقوله تعالى:{فهل أنتم منتهون} إيذاناً بأنّ الأمر في المنع والتحذير بلغ الغاية وأنّ الأعذار قد انقطعت فلفظه الاستفهام ومعناه أمر كقوله تعالى: {فهل أنتم شاكرون}(الأنبياء، ٤٨٠){وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول} فيما أمراكم به من اجتناب ذلك {واحذروا} مخالفتهما فيما ينهياكم عنه {فإن توليتم} أي: عن الطاعة {فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين} أي: فلا يضرّه توليكم فإنما عليه الإبلاغ البيّن، وقد أدّى وإنما ضررتم أنفسكم.
ولما نزل تحريم الخمر قال الصحابة رضي الله تعالى عنهم: يا رسول الله فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر نزل.
{ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات} تصديقاً لإيمانهم {جناح} أي: حرج {فيما طعموا} أي: من مال الميسر وشربوا من الخمر قبل التحريم {إذا ما اتقوا} أي: المحرّمات {وآمنوا وعملوا الصالحات} أي: ثبتوا على الإيمان والأعمال الصالحة {ثم اتقوا} ما حرّم عليهم بعد الخمر {وآمنوا} بتحريمه {ثم اتقوا} أي: استمرّوا وثبتوا على اتقاء المعاصي {وأحسنوا} أي: وتحرّوا الأعمال الجميلة واشتغلوا بها أو أن التكرير باعتبار الأوقات الثلاثة الماضي والحال والاستقبال التي تقع فيها الأفعال المذكورة وباعتبار الحالات الثلاث استعمال الإنسان التقوى والإيمان بينه وبين نفسه، وبينه وبين الناس، وبينه وبين الله عز وجل ولأجل استعمال الإنسان التقوى بينه وبين الله أبدل الإيمان بالإحسان في الكرة الثالثة إشارة إلى ما قاله عليه الصلاة والسلام في تفسير الإحسان من قوله:«الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» أو باعتبار المراتب الثلاثة: المبدأ والوسط والمنتهى أو باعتبار ما يتقي به فإنه ينبغي أن يترك المحرّمات توقياً من العقاب والشبهات تحزراً للنفس عن الوقوع في الحرام وبعض المباحات صوناً لها عن الخسة وتهذيباً لها عن دنس الطبيعة {وا يحب المحسنين} أي: يثيبهم.
ونزل عام الحديبية وكانوا محرمين ابتلاهم الله بالصيد فكانت الوحوش تغشى رحالهم فهموا بأخذها.
{يأيها الذين آمنوا ليبلونكم الله} أي: ليختبرنكم {بشيء} يرسله لكم {من الصيد} وإنما بعض لأنه ابتلاهم بصيد البر خاصة وفائدة الابتلاء إظهار المطيع من العاصي وإلا فلا حاجة به إلى البلوى {تناله أيديكم} أي: ما لا يقدر أن يفرّ من الصيد لصغر أو غيره {ورماحكم} أي: ما يقدر على الفرار لكبر أو غيره {ليعلم الله} أي: علم ظهور فإنه تعالى يعلم ما تخفى الصدور {من يخافه بالغيب} أي: ليتميز من يخاف عقاب الله وهو غائب منتظر في الآخرة فيجتنب الصيد، والمعنى: أنه سبحانه وتعالى يخرج بالامتحان ما كان من أفعال العباد في عالم الغيب إلى عالم الشهادة فيصير تعلق العلم به تعلقاً شهودياً كما كان تعلقاً غيبياً