للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في ديارهم جاثمين} ، أي: باركين على الركب ميتين.

{كأن لم يغنوا} ، أي: كأنهم لم يقيموا {فيها} ، أي: ديارهم مدّة من الدهر، مأخوذ من قولهم: غني بالمكان إذا أقام فيه مستغنياً به عن غيره {ألا بعداً} ، أي: هلاكاً {لمدين كما بعدت ثمود} إنما شبههم بهم؛ لأنّ عذابهم كان أيضاً بالصيحة لكن صيحتهم كانت من تحتهم وصيحة مدين كانت من فوقهم، قال ابن عباس: لم يعذب الله تعالى أمّتين بعذاب إلا قوم شعيب وقوم صالح؛ فأمّا قوم صالح فأخذتهم الصيحة من تحتهم، وأمّا قوم شعيب فأخذتهم الصيحة من فوقهم.

القصة السابعة: التي ذكرها الله تعالى في هذه السورة وهي آخر قصصها قصة موسى عليه الصلاة والسلام المذكورة في قوله تعالى:

{ولقد أرسلنا موسى بآياتنا} أي: التوراة مع ما فيها من الشرائع والأحكام {وسلطان مبين} أي: برهان بيّن ظاهر على صدق نبوّته ورسالته وقيل: المراد بالآيات المعجزات وبالسلطان المبين العصا؛ لأنها أظهر الآيات، وذلك لأنّ الله تعالى أعطى موسى تسع آيات بينات وهي العصا واليد البيضاء والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ونقص من الثمرات والسنين، ومنهم من أبدل نقص الثمرات والسنين بإظلال الجبل وفلق البحر. قال بعض المحققين: سميت الحجة سلطاناً لأنّ صاحب الحجة يقهر من لا حجة له، كالسلطان يقهر غيره، والعلماء سلاطين بسبب كمالهم في القوّة العلمية، والملوك سلاطين بحسب ما معهم من القدرة والمكنة إلا ان سلطنة العلماء أكمل وأقوى من سلطنة الملوك؛ لأنّ سلطنة العلماء لا تقبل النسخ والعزل وسلطنة الملوك تقبلهما ولأنّ سلطنة الملوك تابعة لسلطنة؛ العلماء لأنّ سلطنة العلماء من جنس سلطنة الأنبياء وسلطنة الملوك من جنس سلطنة الفراعنة.

{إلى فرعون} طاغية القبط {وملئه} ، أي: أشراف قومه الذين تتبعهم الأذناب؛ لأنّ القصد الأكبر رفع أيديهم عن بني إسرائيل {فاتبعوا أمر فرعون} ، أي: اتبعوا طريقة فرعون المنهمك في الضلال والطغيان الداعي إلى ما لا يخفى فساده على من له أدنى مسكة من العقل ولم يتبعوا موسى الهادي إلى الحق المؤيد بالمعجزات الظاهرة الباهرة لفرط جهالتهم وعدم استبصارهم {وما أمر فرعون برشيد} ، أي: بسديد ولا حميد العاقبة ولا يدعو إلى خير وقيل: رشيد ذو رشد، وانسلاخ فرعون من الرشد كان ظاهراً؛ لأنه كان دهرياً نافياً للصانع والمعاد وكان يقول: لا إله للعالم وإنما يجب على أهل كل بلد أن يشتغلوا بطاعة سلطانهم وعبوديته رعاية لمصلحة العالم، وكل الرشد في عبادة الله تعالى ومعرفته، فلما كان هو نافياً لهذين الأمرين كان خالياً من الرشد بالكلية.

{يقدم قومه يوم القيامة} إلى النار كما كان يقدمهم في الدنيا إلى الضلال أو كما تقدم قومه في الدنيا فأدخلهم البحر وأغرقهم فكذا يتقدمهم في القيامة فيدخلهم النار كما قال تعالى: {فأوردهم النار} . فإن قيل: لم لم يقل يقدم قومه فيوردهم النار بل أتى بلفظ الماضي؟ أجيب: بأنه إنما أتى بلفظ الماضي مبالغة في تحققه، ونزل النار له منزلة الماء فسمّى إتيانها مورداً، ولهذا قال تعالى: {وبئس الورد المورود} وردهم لأنّ الورد إنما يراد لتسكين العطش وتبريد الأكباد والنار ضدّه. فإن قيل: لفظ النار مؤنث فكان مقتضى ذلك أن يقال: وبئست الورد المورود؟ أجيب: بأن لفظ الورد مذكر فكان التذكير

<<  <  ج: ص:  >  >>