للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والثامن والتاسع في الصافات، والعاشر في الواقعة، والحادي عشر في النازعات. وأذكر إن شاء الله تعالى في كل سورة من السور المذكورة مذهبهم في محله.

{أولئك} ، أي: الذين جمعوا أنواعاً من البعد من كل خير {الذين كفروا بربهم} ، أي: غطوا ما يجب إظهاره بسبب الاستهانة بالذي بدأ خلقهم، ثم رباهم بأنواع اللطف، فإذا أنكروا معادهم فقد أنكروا بدأهم {وأولئك} البعداء البغضاء {الأغلال} يوم القيامة {في أعناقهم} بسبب كفرهم، والغل: طوق من حديد تقيد به اليد في العنق، وقيل: المراد بالأغلال ذلهم وانقيادهم يوم القيامة كما يقاد الأسير الذليل بالغل، وقيل: إنهم مقيدون بالضلال لا يرجى فلاحهم. {وأولئك} ، أي: الذين لا خسارة أعظم من خسارتهم {أصحاب النار هم فيها خالدون} ، أي: ثابت خلودهم دائماً لا يخرجون منها ولا يموتون. ولما كان صلى الله عليه وسلم يهدّدهم تارة بعذاب يوم القيامة وتارة بعذاب الدنيا، والقوم كلما هدّدهم بعذاب يوم القيامة أنكروا القيامة والبعث والحشر والنشر، وهو الذي تقدّم ذكره في الآية الأولى، وكلما هدّدهم بعذاب الدنيا قالوا له: فجئنا بهذا العذاب، وطلبوا منه إظهاره وإنزاله على سبيل الطعن وإظهار أنّ الذي يقول كلام لا أصل له نزل:

{ويستعجلونك} ، أي: استهزاء وتكذيباً، والاستعجال طلب التعجيل، وهو تقديم الشيء قبل وقته الذي يقدر له {بالسيئة} ، أي: العذاب {قبل الحسنة} ، أي: الرحمة، وذلك أنّ مشركي مكة كانوا يقولون: اللهمّ إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذا أليم.

تنبيه: قوله {قبل الحسنة} فيه وجهان: أحدهما: متعلق بالاستعجال ظرفاً له والثاني: أنه متعلق بمحذوف على أنه حال مقدرة من السيئة قاله أبو البقاء. {وقد} ، أي: والحال أنه قد {خلت من قبلهم المثلات} جمع مثلة بفتح الميم وضم المثلثة كصدقة وصدقات، أي: عقوبات أمثالهم من المكذبين أفلا يعتبرون بها. {وإنّ ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم} وإلا لم يترك على ظهرها دابة كما قال تعالى: {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة} (فاطر، ٤٥) . وقال ابن عباس: معناه لذو تجاوز عن المشركين إذا آمنوا. {وإنّ ربك لشديد العقاب} للمصرين على الشرك الذين ماتوا عليه. وقال مقاتل: إنه لذو تجاوز عن شركهم في تأخير العذاب عنهم، وشديد العقاب إذا عاقب. ولما بين سبحانه وتعالى أنّ الكفار طعنوا في نبوة النبيّ صلى الله عليه وسلم بسبب طعنهم في الحشر والنشر أوّلاً، ثم طعنوا في نبوّته بسبب طعنهم في صحة ما ينذرهم به من نزول عذاب الاستئصال ثانياً، ثم طعنوا في نبوّته بأن طلبوا منه المعجزة والبينة. ثالثاً، وهو المذكور في قوله تعالى:

{ويقول الذين كفروا لولا} ، أي: هلا {أنزل عليه} ، أي: محمد صلى الله عليه وسلم {آية من ربه} ، أي: مثل عصا موسى وناقة صالح وذلك؛ لأنهم أنكروا كون القرآن من جنس المعجزات، وقالوا: هذا كتاب مثل سائر الكتب، وإتيان الإنسان بتصنيف معين وكتاب معين لا يكون معجزاً مثل معجزات موسى وعيسى عليهما السلام، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم راغباً في إجابة مقترحاتهم لشدّة التفاته إلى إيمانهم قال الله تعالى له: {إنما أنت منذر} ، أي: ليس عليك إلا الإنذار والتخويف، وليس عليك إتيان الآيات. {ولكل قوم هاد} ، أي: نبيّ يدعوهم إلى ربهم بما يعطيه من الآيات لا بما يقترحون.

<<  <  ج: ص:  >  >>