أخرج ابن أبى حاتم عن جويبر أن هؤلاء القوم هم بنو حنيفة، ومن ثم قال ابن أبى حاتم وابن قتيبة وغيرهما: هذه الآية حجة على خلافة الصديق لأنه الذي دعا إلى قتالهم، فقال الشيخ أبو الحسن الأشعرى ـ رحمه الله ـ إمام أهل السنة: سمعت الإمام أبا العباس بن سريج يقول: الصديق في القرآن في هذه الآية. قال: لأن أهل العلم أجمعوا على أنه لم يكن بعد نزولها قتال دعوا إليه إلا دعاء أبى بكر لهم وللناس إلى قتال أهل الردة ومن منع الزكاة. قال: فدل ذلك على وجوب خلافة أبى بكر، وافتراض طاعته إذ أخبر الله أن المتولى عن ذلك يعذب عذابا أليما. قال ابن كثير: ومن فسر القوم بأنهم فارس والروم، فالصديق هو الذي جهز الجيوش إليهم، وتمام أمرهم كان على يد عمر وعثمان وهما فرعا الصديق.
فإن قلت: يمكن أن يراد بالداعى في الآية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو على قلت: لا يمكن ذلك مع قوله تعالى: " قُل لَّن تَتَّبِعُونَا " ومن ثم لم يدعوا إلى محاربة في حياته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إجماعا كما مر، وأما على فلم يتفق له في خلافته قتال لطلب الإسلام أصلا بل لطلب الإمامة، ورعاية حقوقها، وأما من بعده فهم عندنا ظلمة، وعندهم كفار، فتعين أن ذلك الداعى الذي يجب باتباعه الأجر الحسن وبعصيانه العذاب الأليم أحد الخلفاء الثلاثة، وحينئذ فالألزم عليه حقية أبى بكر على كل تقدير؛ لأن حقية خلافة الآخرين فرع عن حقية خلافته إذ هما فرعاها الناشئان عنها والمترتبان عليها.